الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبيا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعد :
فالذي ينطق بالشهادتين ويأتي بما يناقضها فهو يعتبر غير صادق في الشهادتين ، وقد كان كفار قريش يعلمون معنى الشهادتين ، حتى إن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يدعوهم ويقول لهم : " أيها الناس قولوا : لا إله إلا الله تفلحوا " .
وعند أن طلب منهم النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أن يقولوا : لا إله إلا الله ، قال قائلهم كما حكى الله عنهم : " أجعل الآلة إلهاً واحداً إن هذا لشيئ عجاب * وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم " ، فهم يعرفون معنى لا إله إلا الله .
أما الآن فيقول قائلهم : لا إله إلا الله ، وينادي غير الله ، ويقول قائلهم : لا إله إلا الله ، ويذبح لغير الله ، ويقول قائلهم : لا إله إلا الله وينذر لغير الله ، بل ربما لا يتركون شيئاً من أنواع العبادة إلا صرفوه لغير الله سبحانه وتعالى .
فهذا دليل على أنهم ما فهموا معنى لا إله إلا الله ، ولم يفهموا شروط لا إله إلا الله ، فمعنى لا إله إلا الله : لا معبود بحق في الوجود إلا الله سبحانه وتعالى ، ومن شروطها ما هو مجموع في قوله :
علم يقين وإخلاص وصدقك مع ************ محبة وخضوع وانقياد لها
فلا بد من أن تحقق شروطها ، فالذي يَعبد القبر ، أو يرجو منه نفعاً وضراً مع الله أو من دون الله فهو يعتبر مشركاً ، وتنطبق عليه أحكام الشرك كما يقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم : " ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون * وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين " ، وشاهدنا من هذا : " وكانوا بعبادتهم كافرين " ، فهم يعبدون القبور ، وربما ينتهي ببعضهم الحال كما ذكر الشوكاني في ( نيل الأوطار ) في الكلام على حديث علي بن أبي طالب أن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أمره ألا يدع قبراً مشرفاً إلا سواه ولا صورة إلا صمسها ، ويقول الشوكاني رحمه الله : إن بعضهم إذا توجهت عليه يمين وقيل له : احلف بالله حلف ولا يبالي ، فإذا قيل له : احلف بشيخك ومعتقدك تلكأ وأبى ، فهذا دليل على أنه قد صار شيخه معتقده أعظم في نفسه من الله سبحانه وتعالى .
-------------------
راجع كتاب غارة الأشرطة ( 207 - 208 )