وردت أحاديث أن زيارة قبر رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- سبب لشفاعته -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لا يثبت منها شيء، وسأنقل إن شاء الله عن أهل العلم ما يتعلق بهذه الأحاديث من النقد والتجريح لرواتها.
195- قال الإمام سليمان بن داود أبوداود الطيالسي -رحمه الله- كما في «ترتيب المسند» (ج1 ص228): حدثنا نوار(1) بن ميمون أبوالجراح العبدي قال: حدثني رجل من آل عمر عن عمر قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: «من زار قبري -أو قال: من زارني- كنت له شفيعا أو شهيدا، ومن مات في أحد الحرمين بعثه الله من الآمنين يوم القيامة».
الحديث أخرجه البيهقي (ج5 ص245) وقال: هذا إسناد مجهول.
وقال الحافظ الكبير محمد بن أحمد بن عبدالهادي في كتابه «الصارم المنكي» الذي هو أحسن مرجع لهذه الأحاديث ص(79): هذا الحديث ليس بصحيح لانقطاعه وجهالة إسناده، واضطرابه، ولأجل اختلاف الرواة في إسناده واضطرابهم فيه جعله المعترض -يعني السبكي- ثلاثة أحاديث، وهو حديث ساقط الإسناد لا يجوز الاحتجاج به، ولا يصلح الاعتماد على مثله. ثم ذكر أن سوار بن ميمون مجهول وشيخه مبهم أسوأ حالا من المجهول، وذكر ما فيه من الاختلاف فليراجع في «الصارم المنكي في الرد على السبكي».
196- قال الدارقطني -رحمه الله- (ج2 ص278): ثنا القاضي المحاملي(2) نا عبيدالله بن محمد الوراق نا موسى بن هلال العبدي عن عبيدالله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «من زار قبري وجبت له شفاعتي».
الحديث أخرجه البيهقي في «الشعب» كما في «الصارم المنكي» ص(13) من طريق عبدالله بن عمر العمري. قال البيهقي: وقيل عن عبيدالله، وذكره بسنده ثم قال البيهقي: وسواء قال: عبيدالله أو عبدالله فهو منكر عن نافع عن ابن عمر لم يأت به غيره. يعني غير موسى بن هلال، ثم قال الحافظ ابن عبدالهادي -رحمه الله-: هكذا ذكر الإمام الحافظ أن هذا الحديث منكر عن نافع عن ابن عمر، سواء قال فيه موسى بن هلال: عن عبيدالله أو عبدالله، والصحيح أنه عبدالله كما ذكره أبوأحمد بن عدي وغيره.
وهذا الذي صححه ابن عدي هو الصحيح، وهو أنه من رواية عبدالله ابن عمر الصغير المكبر المضعف، ليس من رواية عبيدالله بن عمر الكبير المصغر الثقة الثبت، فإن موسى لم يلحق عبيدالله، إلى آخر كلامه -رحمه الله-.
وحاصل كلامه: أن الحديث في سنده موسى بن هلال وهو مجهول، وعبدالله بن عمر العمري، وأن الحديث منكر لا يثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، ثم ذكر عن العقيلي أنه قال في ترجمة موسى بن هلال بعد ذكره الحديث من طريقه عن عبيدالله: لا يصح حديثه ولا يتابع عليه -إلى أن قال العقيلي -رحمه الله-- والرواية في هذا الباب فيها لين.
* قال أبونعيم في «أخبار أصبهان» (ج2 ص219): حدثنا أبومحمد بن حيان ثنا محمد بن أحمد بن سليمان الهروي ثنا مسلم بن حاتم الأنصاري ثنا مسلمة بن سالم الجهني حدثني عبدالله -يعني العمري- حدثني نافع عن سالم عن ابن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «من جاءني زائرا لم تنزعه حاجة إلا زيارتي كان حقا على الله أن أكون له شفيعا يوم القيامة».
الحديث في سنده مسلمة بن سالم قال الذهبي في «الميزان»: مر في مسلم، وقال في ترجمة مسلم بن سالم الجهني: قال أبوداود السجستاني: ليس بثقة، ذكر له الذهبي هذا الحديث.
وإن كنت تريد المزيد من البيان في بطلان هذا الحديث راجعت «الصارم المنكي» ص(36).
* قال البزار -رحمه الله- كما في «الصارم المنكي» ص(27): حدثنا قتيبة(3) حدثنا عبدالله بن إبراهيم حدثنا عبدالرحمن بن زيد عن أبيه عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «من زار قبري حلت له شفاعتي».
ذكر الحافظ ابن عبدالهادي ص(28) من «الصارم المنكي» أن في سند هذا الحديث عبدالله بن إبراهيم وهو ابن أبي عمر الغفاري نسب إلى الكذب ووضع الحديث، وفي سنده عبدالرحمن بن زيد بن أسلم، قال الحاكم: روى عن أبيه أحاديث موضوعة. اهـ مختصرا.
هذا وقد جاء الحديث من حديث أنس كما في «الصارم المنكي» ص(145)، وفي سنده سليمان بن يزيد أبوالمثنى الكعبي، قال ابن عبدالهادي: وهو شيخ غير محتج بحديثه ولم يدرك أنس بن مالك، فروايته عنه منقطعة.
ومن حديث أنس أيضا كما في ص(147)، قال ابن عبدالهادي: وهو حديث موضوع مكذوب مختلق مصنوع من النسخة الموضوعة المكذوبة الملصقة بسمعان المهدي قبح الله واضعها، إلى آخر ما ذكر -رحمه الله-.
ومن حديث ابن عباس كما في ص(149)، قال ابن عبدالهادي ص(150): وهو حديث منكر جدا، ليس بصحيح ولا ثابت، بل هو حديث موضوع على ابن جريج -أحد رجال السند- ثم ذكر ما فيه.
وحديث مرسل من حديث بكير بن عبدالله(4) ص(153)، قال يحيى الحسيني في «أخبار المدينة» في (باب ما جاء في زيارة قبر النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-): حدثنا محمد بن يعقوب ثنا عبدالله بن وهب عن رجل عن بكير بن عبدالله عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فذكر الحديث، قال ابن عبدالهادي: وهو حديث باطل لا أصل له وخبر معضل لا يعتمد على مثله وهو من أضعف المراسيل وأوهى المنقطعات -إلى أن قال: - فقد تبين أن جميع الأحاديث التي ذكرها المعترض -يعنى السبكي- في هذا الباب ليس فيها حديث صحيح، بل كلها ضعيفة أو موضوعة لا أصل لها، وكم من حديث له طرق أضعاف الطرق التي ذكرها المعترض، وهو موضوع عند أهل هذا الشأن فلا يعتبر بكثرة الطرق وتعددها، وإنما الاعتماد على ثبوتها وصحتها. اهـ
فائدة:
الحديث الذي رواه الإمام أحمد وولده عبدالله (ج3 ص155) من طريق الحكم بن موسى ثنا عبدالرحمن بن أبي الرجال عن نبيط بن عمرو عن أنس ابن مالك عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «من صلى في مسجدي أربعين صلاة، لا يفوته صلاة كتبت له براءة من النار، ونجاة من العذاب، وبرئ من النفاق» ضعيف، لأن في سنده نبيط بن عمرو، ولم يرو عنه إلا عبدالرحمن بن أبي الرجال كما في «تعجيل المنفعة» فهو مجهول العين، فالحديث لا يثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
وإنما ذكرت هذه الفائدة لما يلحق بعض الزوار من الضرر بسبب انتظارهم حتى تنتهي الأربعون الصلاة، مغترين بهذا الحديث الذي لا يثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
ولست ممن يزهد في المكث بمدينة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- التي أخبر الرسول -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أن من مات بها كان له شفيعا أو شهيدا(5)، ولكني أردت أن أبين لمن يغتر بهذا الحديث ويبقى من أجله أنه لا يثبت.
_______________________
(1) في «ترتيب المسند»: (نوار)، وفي «الصارم المنكي»: (سوار) ولم يتضح لي بعد البحث أيهما الصواب، ثم وجدته في «سنن البيهقي» من طريق أبي داود الطيالسي: (سوار بن ميمون) فالظاهر أن ما في «ترتيب المسند» مصحف. والله أعلم.
(2) هو الحسن بن إسماعيل، ثقة حافظ، كما في «تذكرة الحفاظ».
(3) قتيبة شيخ البزار هو ابن المرزبان، كما في «الصارم المنكي» ص(28)، والحديث في «كشف الأستار» (ج2 ص57).
(4) الظاهر أن بكير بن عبدالله هو ابن الأشج. وقلنا: إنه الظاهر، لأن عبدالله بن وهب يروي عن الليث، والليث يروي عن بكير بن عبدالله كما في «تهذيب التهذيب».
(5) تقدم تخريجه مفصلا في (سكنى المدينة والموت بها).
فهرس الكتاب |
|
|