مقابلة في شأن...

مقابلة في شأن الجهاد الأفغاني

السؤال 1@ بما أنكم عشتم في بيئة زيدية وتعلمتم المذهب الزيدي عند أهله، فما هو السر في تحولكم إلى منهج أهل السنة والجماعة؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.

نعم عشنا في بيئة زيدية لا يعرف آباؤنا إلا زيد بن علي والهادي والحسن والحسين وعلي بن أبي طالب، لكن ينبغي أن يعلم أننا لا نستطيع أن نسمي العامة زيدية، فلا نسمي زيديا إلا من درس المذهب الزيدي واقتنع بما فيه، وأما العامة فهم أتباع من وثقوا به ويظنون أن من دعاهم أو اقتدوا به على كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.

أما تركي المذهب الزيدي وانتقالي إلى سنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فإن التقليد محرم، ورب العزة يقول في كتابه الكريم: ﴿ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا(1)، ويقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ﴿اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون(2)، ولقد تبرأ جماعة ممن درسوا المذهب الزيدي منه وابتعدوا عنه، من ذلكم: علامة اليمن محمد بن إبراهيم الوزير الذي قال فيه الشوكاني: لو قلت إن اليمن لم تنجب مثله لما أبعدت عن الصواب. ثم بعده صالح بن مهدي المقبلي صاحب «العلم الشامخ» القائل:

العلم يا صاحبي ما قال خالقنا                    
                    والمصطفى واطرح ما شئت من كتب

هذا على أن المقبلي لم يخلص إلى السنة، فهو بين أهل السنة وبين الشيعة والمعتزلة ما ترك أحدا إلا هاجمه حتى أهل السنة وحتى الإمام البخاري -رحمه الله-، وبعده محمد بن إسماعيل الأمير صاحب «سبل السلام» والكتب النيرة المتداولة التي تداولها المسلمون، وبعده محمد بن علي الشوكاني قاضي قضاة القطر اليماني فإنه أيضا ابتعد عن المذهب الزيدي، فمثل هؤلاء الأربعة الذين ينبغي أن يقال: لماذا تركوا المذهب الزيدي؟ لأنهم درسوه وعرفوا ما فيه ثم رأوا أنه بعيد عن كتاب الله وعن سنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.

أما أنا فدراستي بصعدة بعد أن تعلمت شيئا من السنة، وأحببت سنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، درست قدر ثلاث سنين، وكلما ازددت دراسة للمذهب الزيدي ازددت بغضا له، لماذا؟ لأنه في العقيدة مسروق من مذهب المعتزلة كما بينا هذا في شريط «المذهب الزيدي مبني على الهيام» وفي الأحكام والعبادات مسروق من المذهب الحنفي وفي التشيع مسروق من المذهب الرافضي، فحق لمسلم أن يتبرأ من هذه البدع ومن هذه الخرافات، والله سبحانه وتعالى يقول في نبينا محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ﴿وإن تطيعوه تهتدوا(3)، ورب العزة يقول في كتابه الكريم: ﴿وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا(4)، ويقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا(5).

فالتمذهب ليس من دين الإسلام، بل أن الإمام ابن عبدالبر يقول: أجمع أهل العلم على أن المقلد لا يعد من أهل العلم. فالحمد لله الذي وفقنا لسنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- من بدء الطلب الحقيقي أقول من بدء الطلب الحقيقي لأننا طلبنا العلم في المكتب وهو ما يبتدئ فيه الطالب بمعرفة الهجاء وحفظ أو قراءة القرآن، قرأنا قراءة لا نذوق حلاوتها ولا ندري لماذا نقرأ، ثم بعد ذلك ضاع من العمر ما شاء الله، وبعدها بحمد الله وفقنا لدراسة سنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- من بدء الأمر، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

السؤال 2@ بما أن الشعب اليمني عاش تحت وطأة التصوف والتشيع، فكيف بدأتم الدعوة؟ وكيف حققتم هذه النتائج المثمرة؟

الجواب: نعم، الأمر كما يقول الأخ، الشعب اليمني عاش تحت وطأة التشيع ووطأة التصوف، والقليل الذي هو متمسك بسنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، لقد دخل التشيع إلى اليمن من القرن الثالث واعتبرها المؤرخ الجعدي صاحب «طبقات فقهاء اليمن» فتنة دخلت إلى اليمن، ثم لم يزل التشيع إلى أعوام قريبة حتى من تظاهر بسنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- استحلوا دمه، فذلكم محمد بن إبراهيم الوزير -رحمه الله تعالى- بعد أن كان يجله أساتذته وكانوا يجهلونه، فلما تظاهر بالسنة كتب شيخه رسالة يفند ما ذهب إليه، وأجاب عليه بكتابه «العواصم والقواصم» وبكتابه «الروض الباسم» فكان من جملة ما قال يبين لنا حالته بسبب تمسكه بسنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وبسبب تحامل أعداء السنة عليه، يقول وهو يفر بدينه من شعب إلى شعب ومن واد إلى واد:

فحينا بشعب بطن واد كأنه                    
                    حشا قلم تمسي به الطير تصفر
وحينا بطود تمطر السحب دونه                    
                    أشم منيف بالغمام مؤزر
هنالك يصفو لي من العيش ورده                    
                    وإلا فورد العيش رمق مكدر
فإن يبست ثم المراعي وأجدبت                    
                    فروض العلا والعلم والدين أخضر
ولا عار أن ينجو كريم بنفسه                    
                    ولكن عارا عجزه حين ينصر
فقد هاجر المختار قبلي وصحبه                    
                     وفر إلى أرض النجاشي جعفر

كانت القراءة في كتب السنة جريمة لا تغتفر، ولسنا بصدد القصص فقد ذكرنا شيئا في شريط «المذهب الزيدي مبني على الهيام»، لسنا في سبيل القصص التي حدثت لعلماء السنة بسبب تمسكهم بسنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، إذا قالوا: فلان سني فكأنهم قالوا: فلان يهودي.

ثم بعده أيضا صالح بن مهدي المقبلي ومن ذكر حصل لهم من الأذى ما الله به عليم، فالحمد لله خاب أعداؤهم وانتشرت سنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وانتشر أيضا علمهم، انتصر علم هؤلاء الأئمة الذين قاموا بالدفاع عن سنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.

أما بدء الدعوة هاهنا فإننا قدمنا إلى قومنا غرباء عند القريب والبعيد، فذاك يرى أنني إذا وضعت يدي اليمنى على يدي اليسرى في الصلاة أن صلاتي باطلة، وآخر إذا سمع مني أنني أقول: أن الهادي لا ينفع ولا يضر مع الله؛ يرى أنني أبغض أهل بيت النبوة، وآخر أيضا إذا وجد عندي «صحيح البخاري» أو «صحيح مسلم»؛ يقول: هذا وهابي قد انحرف عن أهل بيت النبوة، وبقيت ما شاء الله تارة ببلدي وأخرى بصنعاء وأخرى في ذمار أتنقل وأزور طلبة العلم وأهل السنة، ولا أستأنس إلا إذا كنت بين أهل السنة، أما في بلدي فيا لله يالله من ضيق يتوالى علي وأنا في بلدي، والسبب في هذا ما ذكر، لا يدري طالب العلم أيواجه العامة الذين لا يفقهون عن دين الله شيئا؟ أم يواجه المتمذهبة، أم يواجه غلاة التشيع؟ إلى غير ذلك، وهناك أيضا من يدفع هذين الصنفين وهم الشيوعية والبعثية والناصرية فإنهم يكيدون للإسلام من تحت الستار ولا يستطيعون أن يرفعوا رءوسهم لأنهم في بلد مسلم.

فبدأت بحمد الله بتعليم القرآن، وبعد ذلكم الأحاديث: أحاديث في فضل اليمن وفي فضل أهل بيت النبوة وفي فضل الصلاة على النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، لأنهم يقولون أن أهل السنة لا يحبون رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ولا يحبون أهل بيت النبوة، وهكذا يرمونهم بالعظائم، فأردنا أن نبرهن لهم أنهم كاذبون في هذه الفرية وأن أهل السنة يحبون أهل النبوة حبا شرعيا ويحبون النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- حبا شرعيا وينزلونه المنزلة التي أنزله الله إياها، وهكذا المنزلة التي أنزل نفسه إياها، فقد روى البخاري في «صحيحه» عن عمر رضي الله تعالى عنه عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أنه قال: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم -عليه السلام- فإنما أنا عبد الله ورسوله» وجاء أيضا في «المسند» وفي «السنن» والمعنى متقارب من حديث عبدالله بن الشخير ومن حديث أنس أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «لا ترفعوني فوق منزلتي» ومن حديث عبدالله بن الشخير أنهم قالوا أي الوفد: أنت سيدنا. فقال: «السيد الله تبارك وتعالى» قلنا: وأفضلنا فضلا وأعظمنا طولا. فقال: «قولوا بقولكم أو بعض قولكم ولا يستجرينكم الشيطان». فأهل السنة ينزلون النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- منزلته.

وأذكر عند أن كنت بتلك الوحشة، في هذه البلد وعندنا مسجد من الطين وبرك مسقف والحمد لله، زارني رجل فاضل وقد قتله الشيوعيون -رحمه الله تعالى- وهو الأخ مرشد الكبودي، فعند أن رأى تلكم الحالة لا أستطيع أن أصفها لكم، كان يقول:

أضاعوني وأي فتى أضاعوا؟!! ليوم كريهة وسداد ثغر

لأنه كان يعرفني من مدينة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فكأني لم أسمع أخي في الله مرشد الكبودي وكأنه لم يعنني والحمد لله، بعدها بحمد الله صار أهل العلم والدعاة إلى الله يأتون إلى هنا ويزوروننا، ذاك من أرحب، وذاك من حاشد، وذاك من آنس، وذاك من عنس، وذاك من صنعاء، وذاك من تعز، وذاك من السودان، وذاك من مصر، وذاك من بلجيكا…الخ

أخبرني شخص يقول: كنت في السيارة وهناك اجتماع عندكم في دماج، وأنا في السيارة فإذا اثنان يتحدثان من أهل دماج عند أن رأوا الجمع الكثير وطلبة العلم وإذا هما يقولان: لقد ظلمنا مقبلا، هكذا إخواني في الله عند أن رأوا طلبة العلم يفدون. الآن أهل البلد بحمد الله سنيهم وشيعيهم -أعني أهل دماج- يحبون الدعوة، على أنه ليس هناك في دماج أحد نستطيع أن نقول إنه شيعي، اللهم إلا واحدا ليس له أثر، وإلا فهم عامة مساكين أتباع كل ناعق، كل يوم وهو يتراجع اثنان أو ثلاثة والله المستعان.

فالحمد لله الآن أهل دماج مستجيبون للدعوة ومستعدون لمناصرة الدعوة، ويكرمون من أتى إليهم ويصبرون على من أتى إليهم من طلبة العلم، فجزاهم الله عن الدعوة خيرا والحمد لله الذي وفقهم لهذا.

السؤال 3@ بما أننا وجدنا تقاربا في الحياة القبلية والتعصب المذهبي بين الشعب الأفغاني والشعب اليمني فبماذا تنصحون القائمين على الدعوة في أفغانستان؟

الجواب: الذي أنصح به هو ما نصح النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أبا موسى ومعاذ بن جبل حيث قال لهما: «يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا» وما جاء في «الصحيحين» من حديث أنس أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين» وبما جاء أيضا في «الصحيح» عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال لعائشة: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه» ونحن في مجتمع لا نستطيع أن ندعوه إلا بالرفق واللين؛ لأنه ليس بأيدينا سلطة.

ثم بعد ذلك المجتمع هو رأس مالنا فلا ينبغي أن ننفر المجتمع، ندعو المجتمع من كتاب إلى كتاب الله ومن سنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إلى سنة رسول -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، والقبيلي مستعد أن يكفر في سبيل الكبر، فإذا شاددته وأردت أن تلزمه أو تصارعه مستعد أن يقتلك أو تقتله وهو مسلم وأنت مسلم، والرسول -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول كما في «الصحيح» من حديث أبي بكرة: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار» ويقول أيضا كما في «الصحيحين» من حديث ابن مسعود: «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمارق من الدين التارك للجماعة» ثم بعد ذلك الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم: ﴿وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا(6)، ويقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ﴿ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم(7).

فنحن نقول: إن إخواننا العامة إذا سخطوا علينا قابلناهم بالتي هي أحسن، وشيعة اليمن نحن نعتبرهم مسلمين مبتدعة، فإذا تقدموا خطوة تأخرنا أخرى، لأننا نعتبرهم مسلمين ولا نستحل دمائهم ولا أموالهم ولا أعراضهم، وقد رأينا سنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أقوى منا؛ فقد ضربتهم سنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وبحمد الله أيضا ضربوا بسبب التأليف وبسبب الدعوة إلى الله، فالدعوة إلى الله أنفع، ورب العزة يقول في كتابه الكريم: ﴿ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة. فلا بد من دعوة بحكمة وموعظة حسنة، وأن تعرف من تواجه، أنت تواجه أخاك المسلم لا تستحل ماله ولا دمه ولا عرضه فإن قبل منك اليوم وإلا فسيقبل غدا أو بعد غد، أما أن يكون الانتصار للنفس، شأن أهل الدنيا أنهم إذا خالفهم أحد نبذوه ورموه بالألقاب المشنعة، فذاك بعثي وذاك ناصري وذاك شيوعي، وربما لا يكون بعثيا ولا ناصريا ولا شيوعيا، لكن لأجل أنه خالفهم ولم يستجب لهم.

فلا بد من الدعوة برفق ولين، لأن أهل السنة يمثلون سنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ورب العزة يقول في كتابه الكريم: ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين(8)، فينبغي أن تكون دعوة أهل السنة رحمة من عند الله عز وجل، يقول سبحانه وتعالى: ﴿لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم(9)، ويقول الله سبحانه وتعالى: ﴿فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك(10).

وقد كان النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يعامل أجلاف الأعراب غير معاملة أفاضل صحابته، فذاك الذي من أفاضل صحابته يقول له: «إنك امرؤ فيك جاهلية» يقصد أبا ذر، وآخر يقول له: «أفتان أنت يا معاذ» لكن الأعرابي يأتي إلى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ويمسكه بحاشية ردائه ويقول: يا محمد أعطني فإنك لا تعطيني من مالك ولا من مال أبيك. فيعطيه.

فدعوة العامي تحتاج إلى صبر وإلى تأليف، ينبغي أن تتألفوا العامة، فقد جعل الله سبحانه وتعالى قسطا في الزكاة للمؤلفة قلوبهم، وينبغي أيضا أن تحسنوا إليهم؛ فأنتم دعاة إلى الجنة، لا ينبغي أن نكون دعاة إلى النار ولا ينبغي أن نكون منفرين وينبغي أن نعرف من ندعو فنحن ندعو أهل اليمن الذين قال فيهم النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «إنهم ألين قلوبا وأرق أفئدة» وقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «الإيمان يمان والحكمة يمانية».

وقد رأينا من الاستجابة بعد تلكم الحالة التي قصصتها عليكم، ومن استقبال أهل السنة لسنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ومن حفاوتهم بإخوانهم أهل السنة، وإكرامهم لإخوانهم أهل السنة، فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، ورب العزة يقول: ﴿وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا(11)، فلا بد أن تصبر على العامي، ولا بد أن تصبر أيضا على طلب العلم، ولا بد أن تصبر أيضا على أبيك وأمك وعلى أخيك وأختك وعلى مجتمعك، لا تكن فظا غليظا، ولا تنتصر لنفسك، ربما كانت الخصومة شهوة نفس فينبغي أن تبتعد عن شهوة النفس وعن حظوظ النفس، والله المستعان.

فننصح إخواننا القائمين بالدعوة هنالك في أفغانستان بالرفق واللين وبالدعوة إلى كتاب الله وإلى سنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، وبتقديم الأهم فالأهم إن استطاعوا؛ فقد روى البخاري ومسلم في «صحيحيهما» أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال لمعاذ: «إنك ستأتي قوما من أهل الكتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فإن هم طاعوا لك بذلك…الخ» شاهدنا من هذا أنه يبدأ بالعقيدة، وبتحبيب الدين إلى المسلمين؛ فالشخص إذا أحب الدين وأحب الله ورسوله مستعد أن يتنازل عن كل شيء يخالف دين الله، بل ربما يكون بعد أيام أغير منك وأنفع منك للإسلام.

السؤال 4@ بما أن إخوانكم أهل الدعوة إلى الكتاب والسنة في أفغانستان يعيشون غربة الإسلام الحقيقية، خصوصا في المجتمعات التي غلب عليها الجهل والتعصب المذهبي والأهواء، فبماذا تنصحونهم؟

الجواب: الذي ننصحهم به هو استقدام العلماء الأفاضل، فإن هذا ينفعهم، وسواء كان المستقدم عربيا أم أعجميا أبيض أم أسود، فالعلماء هم الذين يضعون الأشياء مواضعها، فرب العزة يقول في كتابه الكريم: ﴿وما يعقلها إلا العالمون(12)، ويقول سبحانه وتعالى مبينا حال العلماء أنهم هم الذين يضعون الأشياء مواضعها فيقول سبحانه وتعالى في شأن قارون عند أن خرج على قومه في زينته: ﴿فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا ياليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن ءامن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون(13).

ثم بعد هذا البدء من جديد، وذلك أن يجلس أهل العلم لطلبة العلم يعلمونهم كتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فإننا ننصح إخواننا بنجد وإخواننا بالحجاز وإخواننا بمصر وإخواننا باليمن أن لا يبخلوا على إخوانهم الأفغانيين في سبيل التعليم أو في سبيل الجهاد، ننصح بهذا فالرسول -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول كما في «الصحيحين» من حديث النعمان بن بشير: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» ويقول أيضا كما في «الصحيحين» من حديث أبي موسى الأشعري: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا» ويقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ﴿إنما المؤمنون إخوة(14)، ويقول أيضا: ﴿ياأيها الذين ءامنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم(15)، ويقول: ﴿واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا(16).

فالواجب على إخواننا أهل السنة في جميع البلاد الإسلامية أن يتفقدوا إخوانهم؛ فإن أكثر المسلمين من أهل السنة ولكن ليس لهم من يرعاهم إلا الله سبحانه وتعالى، فهكذا ينبغي لهم أن يستقدموا إخوانهم أهل السنة، ويبدءون بتعليم كتاب الله، وما يستقيم به اللسان من اللغة العربية، وما يستطاع من سنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- هذا الذي إن شاء الله يأتي بنتيجة في مدة ثلاث سنوات أو مدة سنتين، وما ندري بإذن الله تعالى إلا وإخواننا الأفغانيون يصدرون مدرسين ويصدرون دعاة إلى الله إذا سلكوا هذا السبيل.

المسلمون محتاجون إلى أن يصدروا دعاة إلى الله، إلى أمريكا وإلى روسيا وغيرها من دول الكفر لكن متى يكونون كذلك؟ إذا تفقهوا في دين الله فحينئذ يستطيعون أن يصدروا والحمد لله الدين يسر ما عقده إلا الناس، رب العزة يقول في كتابه الكريم: ﴿ولقد يسرنا القرءان للذكر فهل من مدكر(17). ونبينا محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: «بعثت بالحنيفية السمحة» فالدين يسر وتعلمه يسر، فقط يحتاج إلى من يجلس ويتعلم في حدود ما يستطيع. وينبغي أيضا أن نهيئ أنفسنا في مسألة العلم إلى الكتابة والتحقيق، فإن الكتابة والتحقيق تضرب الأعداء فهناك من يعتدي على دين الإسلام بالكتابة، وهناك من يعتدي على دين الإسلام بالخطابة، وهناك من يعتدي على دين الإسلام بالتلبيس، فلا بد أيضا أن نأهل أنفسنا للكتابة وللتحقيق، وهكذا بحمد الله يمكن أن يزوروا إخوانهم ويتعلموا البحث والتحقيق، وفي وقت قريب على أنني أجد كتابة أخينا في الله جميل الرحمن حفظه الله كتابة طيبة، والحمد لله، والله المستعان.

السؤال 5@ ما هي وجهة نظركم في الجهاد الأفغاني؟

الجواب: وجهة نظرنا أن الله سبحانه وتعالى رفع عن المسلمين ذلا وعارا بسبب إخواننا الأفغانيين جزاهم الله خيرا، فقد كان المسلمون ترجف قلوبهم إذا ذكرت روسيا، وكانوا يظنون أنها قوة لا تستطاع وبحمد الله أخزاها الله وصدق الله إذ يقول: ﴿ياأيها الذين ءامنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم(18)، ويقول: ﴿ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز(19)، ويقول: ﴿وعد الله الذين ءامنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا(20). وفي «الصحيحين» من حديث معاوية والمغيرة بن شعبة والمعنى متقارب أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك» أهل السنة وأهل الحديث داخلون دخولا أوليا، لكنه أيضا يدخل المجاهد كما قاله النووي -رحمه الله تعالى- ويدخل ذوو الأعمال التي تخدم الإسلام يدخلون في مسألة الظهور.

فالحمد لله الذي وفقهم لهذا وأيد بهم دينه وأسأل الله العظيم أن يتمها بخير، وأن يجمع كلمتهم، ثم بعد ذلك أيضا ننصحهم بجمع الكلمة؛ فإن الله عز وجل يحذر من الفرقة ويبين أنها سبب الفشل يقول سبحانه وتعالى: ﴿ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم(21)، ويقول سبحانه وتعالى في شأن أهل الكتاب: ﴿تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى(22). فعليهم أن يتحدوا وأن يتآخوا حتى يحقق الله ما يريدون من النصر، أما إذا بقوا أحزابا متفرقين فربما يدب بينهم الخلاف، ويغذى من قبل أمريكا وروسيا ومن قبل أعداء الإسلام وما ندري وقد اشتغل المجاهدون بأنفسهم والله المستعان.

السؤال 6@ ما هي نصيحتكم للشباب المسلم؟

الجواب: نصيحتنا للشباب المسلم أن يقتدوا برسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وبصحابة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، ففي حال الحرب يهيئون أنفسهم للحرب، لحرب الكفار اليهود والنصارى والشيوعيين وغيرهم من أعداء الإسلام، وفي حال السلم يهيئون أنفسهم لطلب العلم ولما يحتاجون إليه كما قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري».

والشباب المسلم محتاجون إلى رعاية أنصحهم جميعا -ليست النصيحة للأخوة الأفغانيين ولكن لجميع الشباب المسلم-: بالابتعاد عن الحزبية فإن الحزبية تعتبر جاهلية حديثة النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كما في «الصحيحين» من حديث جابر عند أن تخاصم أنصاري ومهاجري فقال الأنصاري: ياللأنصار! وقال المهاجري: يا للمهاجرين! فقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟! دعوها فإنها منتنة» ويقول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «من قتل تحت راية عمية يغضب للعصبة ويقاتل للعصبة فليس من أمتي» فالتعصب الحزبي يعتبر دسيسة ويغذى من قبل أعداء الإسلام، نحن مسلمون سمانا الله مسلمين ورب العزة يقول في كتابه الكريم: ﴿إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون(23)، ويقول: ﴿وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون(24)، فسبيل الله واحد وكتاب الله واحد، وسنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- واحدة.

وأما قول القائل: (نتعاون فيما اتفقنا عليه، وليعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه) فلا، لأن الله عز وجل يقول في كتابه الكريم: ﴿وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله(25)، ويقول: ﴿فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الأخر(26). لا يقول حزب من الأحزاب: أنت تنازل أيها الحزب عن جميع أفكارك واتبعنا. لا، معناه أن لا تدعوه إلى تقليدك، قل له نحن وأنت نتبع رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قل له: ﴿تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نحكم إلا كتاب الله ولا نحكم إلا سنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، الاختلاف هلكة.

روى البخاري ومسلم في «صحيحيهما» عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم» وروى البخاري ومسلم في «صحيحيهما» من حديث النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنه أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم» وروى أبوداود في «سننه» من حديث محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «افترقت اليهود على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة» فالفرقة تعتبر عذابا وأما حديث: «اختلاف أمتي رحمة» فحديث لا سند له، أعني أنه حديث باطل، لأن الله عز وجل يقول في كتابه الكريم: ﴿ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم(27)، مفهوم الآية الكريمة أن الذين يختلفون لم يرحمهم الله عز وجل.

والنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول كما في «صحيح البخاري» من حديث عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: سمعت رجلا قرأ آية وسمعت النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقرأ خلافها، فجئت به النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فأخبرته، فعرفت في وجهه الكراهية وقال: «كلاكما محسن، ولا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا».

فالاختلاف هلكة ويغذيه أعداء الإسلام، وتغذية المخابرات الخبيثة، ويجب على طلبة العلم أن يتبرءوا إلى الله من الحزبية، نقول هذا حتى بحت أصواتنا مشفقين على طلبة العلم أن تضيع أعمارهم في الحزبية، وأن تضيع أعمارهم في (قال فلان، قال فلان) نحن نريد (قال الله، قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-) ورب العزة يقول في كتابه الكريم: ﴿إنما المؤمنون إخوة(28)، ويقول: ﴿واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا(29)، ويقول: ﴿إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله(30).

فالأمر خطير؛ الحزبية فرقت المسلمين، فرب شخص يكون حافظا للقرآن مبرزا في السنة، وبعد أن تتدنس فكرته بحزبية فإذا هو قد أصبح من جملة العامة، ربما يحلق لحيته ويلبس البنطلون ويكون مخزنا(31) مدخنا، إلى غير ذلك. فحذار حذار من الحزبية، والواجب علينا أن نبتعد عنها وأن نحذر جميع المسلمين، قد تأكدنا جميعا أن أعداء الإسلام يحرصون على التحريش بين المسلمين، النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش» فأعداء الإسلام يسلكون مسلك الشيطان في التحريش بين الجماعات، الجماعة الواحدة ما تدري إلا وقد انقسمت إلى قسمين أو إلى ثلاثة.

ثم أنني أنصحهم جميعا أن يحرصوا على أن لا يضيع وقتهم في الكرة فهي من المخدرات وأنت المسؤول عن عمرك فإن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع -ومنها: - عمره فيما أفناه» أيضا آلات اللهو والطرب وهكذا السينما وجميع ما يبعدك عن الدين لا نستطيع في هذا المجلس أن نكمل ما نريد أن نتكلم به والله المستعان.

السؤال 7@ لقد مضى على الجهاد الإسلامي الأفغاني ما يقارب اثنتا عشر سنة وسقوط ما يقارب المليون والنصف من القتلى الذين نحتسبهم عند الله، أصبح الجهاد على وشك الانتهاء وإقامة دولة إسلامية، وبدأ التسابق الحزبي من المنظمات والأحزاب الجهادية في الحصول على أكثر عدد من المقاعد في مجلس الشورى، ومن ثم الحقائب الوزارية، فتراهم يتجاهلون جماعة الدعوة إلى الكتاب والسنة، مع العلم بأن هذه الجماعة هي أول من بدأ بالجهاد في أفغانستان، في حين أنهم وافقوا على إعطاء الحزب الشيعي ستين مقعدا مع العلم أنهم لم يشتركوا في الجهاد!! فبماذا تنصحون جماعة الدعوة في التعامل مع هذا الموقف؟

الجواب: الذين يريدون أن يبعدوا إخوانهم العاملين لله سبحانه وتعالى لن يفلحوا، فقد كنا نتوقع بعد هذه التضحية من إخواننا الأفغانيين أن نسمع منهم الخير، ما كنا نتوقع أن نسمع رئيسا ولا جمهوريا إلى غير ذلك، كنا نتوقع أن نسمع منهم لقب (أمير المؤمنين) ويقلدون هذا الأمر رجلا قرشيا، وهذا يصير ضربة على أمريكا وعلى روسيا وعلى الدويلات التي تمشي بعد روسيا وأمريكا، كنا نتوقع أن نسمع حاكما يلقب بأمير المؤمنين فإن الرسول -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: «الأئمة من قريش» ويقول الرسول -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين» والحديث في «صحيح البخاري» من حديث معاوية.

لكن من زمن قديم والدعاة إلى الله خصوصا أخانا جميل حفظه الله تعالى ومن سلك مسلكه يبدءون -أو يحرصون على أن يبدءوا- بالعقيدة، ولما كانت المسألة لفيف، هذه التي نخشاها الحزبية التي تجمع الصوفي والشيعي والفاسق والصالح ثم بعد ذلك يرجعون يتقاتلون على الكراسي، لأنه لم يكن البناء من أول الأمر بناء إيمانيا، استسلام لكتاب الله ولسنة رسول الله، استسلام لحكم الله، رب العزة يقول في كتابه الكريم: ﴿فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما(32)، ويقول سبحانه وتعالى: ﴿فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم(33)، ويقول سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: ﴿وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا(34).

فإذا كان الأمر كذا فيخشى من أن يشغلهم أعداء الإسلام بالقتال بينهم، ثم بعد ذلك يرجع أعداء الإسلام أو يتمكن عملاء الشيوعية. وقد حقق الله النصر للمسلمين فلماذا يتخاذلون؟! ولماذا يتنازعون على الكراسي؟! ولماذا يتنازعون على مسؤولية عظيمة؟! الرسول -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: «كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته» والإمام أي شيء في البلاد يكون مسئولا عنه أمام الله عز وجل، لكن ينبغي أن يقلد لهذا المنصب الرجل الصالح القرشي، ثم بعد ذلك يجتمع أهل الحل والعقد ويتشاورون في أعضاء الحكومة فإن الله عز وجل يقول في كتابه الكريم: ﴿وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم(35).

أما مسألة التصويت فهي تعتبر طاغوتية فليبلغ الشاهد الغائب فإن الله عز وجل يقول في كتابه الكريم: ﴿أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون(36)، ويقول: ﴿أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين ءامنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون(37)، ويقول مبينا أن الفاسق لا يستوي مع المؤمن: ﴿أم نجعل الذين ءامنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار(38). والتصويت يجعل صوت العالم الفاضل وصوت الخمار واحدا، بل أقبح من هذا المرأة صوتها وصوت الرجل واحد، ورب العزة يقول حاكيا عن امرأة عمران: ﴿وليس الذكر كالأنثى(39). والرسول -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: «لا يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة».

فأنا أنصح أخي في الله جميل الرحمن حفظه الله تعالى أن يصبر ويحتسب، ولا يدخل في هذه الانتخابات الجاهلية التي ما أنزل الله بها من سلطان. والنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: «يقول الله تعالى: يا آدم! فيقول: لبيك وسعديك والخير في يديك. فيقول: أخرج بعث النار. قال: وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسع مائة وتسعة وتسعين»، ويقول تعالى في كتابه الكريم: ﴿وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله(40)، ويقول سبحانه وتعالى: ﴿وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين(41)، ويقول: ﴿وقليل من عبادي الشكور(42)، ما يغتر بالكثرة غثاء كغثاء السيل، وأنا أسألكم أيها الأخوة: الصالحون في مجتمعنا أكثر أم الفاسدون؟ … الفاسدون.

أمر مخطط يا إخواننا يعرفون أن الصالحين لا ينجحون في هذا، من أجل أن لا ينجح الصالحون جاءوا بالانتخابات، فينبغي أن نكفر بهذا التصويت وأن نبتعد عن هذه الانتخابات، والله سبحانه وتعالى سيجعل بأسهم بينهم. ثم أيضا لا نقاتلهم؛ لأنهم مسلمون والمسلم لا يحل له أن يقاتل أخاه المسلم بل نصبر ونحتسب ونتقي الله سبحانه وتعالى، فإن الله عز وجل يقول في كتابه الكريم: ﴿ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب(43). وقد ذكرنا نبذه طيبة في شأن التصويت في الطبعة الثانيةمن «المخرج من الفتنة».

وإن اعتدوا على الجماعة فلهم أن يدافعوا عن أنفسهم، أما إذا لم يعتدوا فلا يقاتلهم إخواننا ويقولون: لماذا ما تعطون لنا كرسيا؟ فهذا الكرسي بلاء، بلاء، ستأتي قروض ربوية وتحتاج أن توقع أنت يا صاحب الكرسي، ستأتي بعثات إلى الخارج وتوقع عليها، وسيأتي أيضا نصارى ويهود وتستقبلهم إلى غير ذلك، ورب العزة يقول في كتابه الكريم: ﴿ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار(44)، ويقول: ﴿ياأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر(45). والله المستعان.

السؤال 8@ وأخيرا هل لكم من كلمة توجهونها إلى إخوانكم من القادة والشعب الأفغاني المسلم عامة، وإلى فضيلة الشيخ جميل الرحمن خاصة؟

الجواب: الذي ننصح به إخواننا القادة وفقهم الله لكل خير أن يحرصوا كل الحرص على جمع الكلمة، وأن يعطوا الرجل المناسب العمل المناسب فالنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يؤمر خالد بن الوليد وهو لا يحفظ إلا أحاديث يسيرة، والنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يثني على عبدالله بن مسعود: «من أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد»، ينزل النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كل شخص من صحابته منزلته ويعطيه فضيلته.

ألا يكل أمرهم إلى أمريكا ولا إلى روسيا، فإن الله عز وجل يقول في كتابه الكريم: ﴿ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم(46)، فهم لا يريدون أن يحقق للإسلام نصر ولا يريدون أن تجتمع كلمة المسلمين. ثم ننصح أخانا في الله جميل الرحمن حفظه الله تعالى باستقدام إخوانه أهل السنة ليشاركوه في التعليم، وليؤازروه على هذا الأمر فإن هذا ينفعه. وننصحه أيضا أن لا يغتر بمجتمعنا الذي نعيش فيه فهو لا يساعد على الخير، فعليك أن تتمسك بالسنة ولو لم يتبعك أحد؛ فقد قال الأوزاعي -رحمه الله تعالى-: (عليك بالسنة وإن رفضك الناس، وإياك والبدعة وإن زخرفها لك الناس) أو بهذا المعنى. ويقول عبدالله بن المبارك -وقد سئل: من هم جماعة المسلمين؟ - فقال: حسين بن واقد ومحمد بن ثابت وأبوحمزة السكري. وقال: هؤلاء هم جماعة المسلمين.

ثم بعد ذلك إذا استفتى أحد أو غير ذلك فعليه أن يطلب الدليل، وأن يعرض الفتوى على كتاب الله وعلى سنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، نحن نحب علماء السنة، أما الدين فلسنا مستعدين أن نقلد أحدا وإذا كنا على الحق لا نخاف من هذا ولا من هذا، فلا بأس أن نستفتي أفاضل العلماء لكن ينبغي أن ينظر فرب عالم يكون متأثرا بمجتمعه ورب عالم يكون متأثرا ببيئته، ورب عالم يكون مهزوم النفس لا يستطيع أن يقول بكل ما في نفسه، فعليه أن يجتهد وأن يبحث، أنصحه بكتب السنة إذا عرضت مسألة أن يبحث في هذه المسألة والله المستعان.

ونستودعهم الله ونسأل الله العظيم أن يجمع كلمتهم وأن ينصرهم على أعدائهم، والحمد لله رب العالمين.

_______________________

(1) سورة الإسراء، الآية: 36.

(2) سورة الأعراف، الآية: 3.

(3) سورة النور، الآية: 54.

(4) سورة الحشر، الآية: 7.

(5) سورة الأحزاب، الآية: 21.

(6) سورة الإسراء، الآية: 53.

(7) سورة فصلت، الآية: 34.

(8) سورة الأنبياء، الآية: 107.

(9) سورة التوبة، الآية: 128.

(10) سورة آل عمران، الآية: 159.

(11) سورة السجدة، الآية: 24.

(12) سورة العنكبوت، الآية: 43.

(13) سورة القصص، الآية: 79-80.

(14) سورة الحجرات، الآية: 10.

(15) سورة الحجرات، الآية: 11.

(16) سورة آل عمران، الآية: 103.

(17) سورة القمر، الآية: 17.

(18) سورة محمد، الآية: 7.

(19) سورة الحج، الآية: 40.

(20) سورة النور، الآية: 55.

(21) سورة الأنفال، الآية: 46.

(22) سورة الحشر، الآية: 14.

(23) سورة الأنبياء، الآية: 92.

(24) سورة الأنعام، الآية: 153.

(25) سورة الشورى، الآية: 10.

(26) سورة النساء، الآية: 59.

(27) سورة هود، الآية: 118.

(28) سورة الحجرات، الآية: 10.

(29) سورة آل عمران، الآية: 103.

(30) سورة الأنعام، الآية: 159.

(31) التخزين: أكل شجرة القات.

(32) سورة النساء، الآية: 65.

(33) سورة النور، الآية: 63.

(34) سورة الأحزاب، الآية: 36.

(35) سورة النساء، الآية: 83.

(36) سورة السجدة، الآية: 18.

(37) سورة الجاثية، الآية: 21.

(38) سورة ص، الآية: 28.

(39) سورة آل عمران، الآية: 36.

(40) سورة الأنعام، الآية: 116.

(41) سورة يوسف، الآية: 103.

(42) سورة سبأ، الآية: 13.

(43) سورة الطلاق، الآية: 2-3.

(44) سورة هود، الآية: 113.

(45) سورة آل عمران، الآية: 118.

(46) سورة البقرة، الآية: 120.


مقتل الشيخ جميل الرحمن الأفغاني رحمه الله
  • عنوان الكتاب: مقتل الشيخ جميل الرحمن الأفغاني رحمه الله
  • تاريخ الإضافة: 13 رجب 1426هـ
  • الزيارات: 188766
  • التحميلات: 22417
  • تفاصيل : الطبعة الثانية- دار الآثار صنعاء
  • تنزيل: اضغط هنا للتنزيل  zip

فهرس الكتاب

تفريع الفهرس | ضم الفهرس