الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم أجمعين.
وبعد: فهذه أسئلة من شباب (لودر) نقدمها إلى شيخنا العلامة المحدث الشيخ مقبل بن هادي الوادعي حفظه الله تعالى.
السؤال 183@ فضيلة الشيخ: ماهو القول في قول شعبة بن الحجاج ومسعر بن كدام في أهل الحديث: (يا أهل الحديث إن هذا الحديث يشغلكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون)، وكيف نجمع بين هذا وبين قول الإمام أحمد لما سمع أحدهم يتكلم في أصحاب الحديث، فنفض ثوبه وقال: زنديق؟
الجواب: الحمد لله، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد: فالجمع بين القولين -على أنه لا يوجد تعارض- أن القول الأول: لا يشغلنكم الحديث عن ذكر الله، فإن من المحدثين من ربما ينهمك في الحديث ويشغل به عن الذكر، ويشغل به عن بعض النوافل، وربما يزدحم المحدثون على الشخص ويقلقونه ويضجرونه، فيضجر ويقول عند ضجره مثل هذا الكلام، مثل ما كان يفعل سفيان الثوري فقد كان يطرد المحدثين من عنده ثم يقول بعد ذلك: لو لم يأتوني لأتيتهم وما أستطيع أن أصبر عنهم.
وكما جاء عن الأعمش عند أن مات كلبه فأزدحم المحدثون على بابه وعليه وأضجروه حتى قال: مات الذي كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر -يقصد كلبه-. وألح بعض المحدثين على أبي معاوية فقال لأبي معاوية: الأعمش عمن؟ فقال أبومعاوية: عن إبليس.
أما قول الإمام أحمد: إنه من تكلم في أهل الحديث أنه زنديق، ونفض ثوبه وقام، على أن القصة فيها كلام، فنعم، فإن الذي يطعن في أهل الحديث يعتبر طاعنا في دين الله، فهم نقلة الدين وحماته، كما قال الحافظ الصوري -رحمه الله تعالى- في شأن المحدثين:
قل لمن عاند الحديث وأضحى
عائبا أهله ومن يدعيه
أبعلم تقول هذا أبن لي
أم بجهل فالجهل خلق السفيه
أيعاب الذين هم حفظوا الدين
من الترهات والتمويه
وإلى قـولهم وما قـد رووه
راجـع كـل عالم وفقيـه
السؤال 184@ بالنسبة للحديث الضعيف إذا كان الضعف راجعا إلى سوء الحفظ، وتكون له طرق كثيرة فهل يرتقي إلى الصحيح لغيره؟
الجواب: نعم، إذا لم يشتد ضعفه، فممكن أن يرتقي إلى الحسن لغيره، وإلى الصحيح لغيره إذا جاء من نحو سبع طرق أوست، سيء الحفظ مع سيء الحفظ مع سيء الحفظ، ولكن بشرط ألا يكون ذلك الذي قيل فيه سيء الحفظ قد خالف، وقد ذكر الحديث في ترجمته من «الكامل» لابن عدي، أو ذكر في ترجمته في «ميزان الإعتدال»، أو ذكر في ترجمته من «لسان الميزان» أو في كتب العلل أن هذا الحديث منكر، فمثل هذه الطريق لا تصلح في الشواهد والمتابعات لأنه إذا خالف الثقات المتكاثرين فحديثه منكر والمنكر لا يصلح في الشواهد والمتابعات، فلا بد من اعتبار هذه الشروط. والله المستعان.
السؤال 185@ ما هو القول الفصل فيمن قيل فيه من المحدثين: إنه متساهل كالحاكم، وابن حبان، والترمذي، هل هو الحكم على الحديث الحسن بالصحة أم غير ذلك؟
الجواب: أما ابن حبان فتساهله فيما يختص بالمجهولين، وقاعدته وقاعدة شيخه ابن خزيمة معروفة كما في مقدمة «لسان الميزان» للحافظ ابن حجر: أنهما يوثقان المجهول، وعلى هذا بنيا عملهما في صحيحيهما.
أما في بقية الأمور فربما يحصل منه بعض التساهل، مثل: تصحيح حديث دراج عن أبي الهيثم أو غيره، ولكن «صحيح ابن حبان» يعتبر مرجعا من المراجع الكبيرة المفيدة، وأخطاؤه في مسألة توثيق المجهول وتصحيح حديث المجهول لا ينبغي أن يتابع عليها، وتساهله في بعض الأحاديث التي من طرق بعض الرجال لا يتابع عليها أيضا.
والترمذي كذلك، مع أن الترمذي أكثر تساهلا من ابن حبان، فالحافظ الذهبي قال في ترجمة كثير بن عبدالله بن عمرو بن عوف وقد ذكر حديث: «المسلمون على شروطهم»، قال: وأما الترمذي فصحح حديثه، ولهذا لا يعتمد العلماء على تصحيحه. لأنه قد كان ذكر في ترجمة كثير بن عبدالله عن الإمام الشافعي وأبي داود، أنه ركن من أركان الكذب.
وقال في ترجمة يحيى بن يمان: وقد ذكر في ترجمته حديثا وهو أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- رأى نارا في المقبرة، وذهب فإذا هم يحفرون بالليل ودفن في الليل، والدفن جائز في الليل لأدلة أخرى ليس الكلام على هذا فقال الترمذي: حسن، فقال الذهبي: حسنه الترمذي، وفي سنده ثلاثة ضعفاء، فعند المحاققه غالب تحسينات الترمذي ضعاف.
وروى الترمذي في «جامعه» لمحمد بن سعيد المصلوب، ومحمد بن السائب الكلبي ولبعض الهلكى، من أجل هذا نزلت رتبته عن «سنن أبي داود» وعن «سنن النسائي»، وأما الحاكم فهو أكثر الثلاثة تساهلا فربما يصحح حديثا من طريق أبي حذيفة إسحاق بن بشر البخاري، أو من طريق إسحاق بن بشر الكاهلي، وربما يصحح حديثا منقطعا أو شديد الضعف، وقد تتبع الذهبي -رحمه الله- بعض ما تيسر له، وتتبعنا بحمد الله بعض ما سكت عليه الحافظ الذهبي، في هوامش المستدرك، وقد خرج الكتاب والحمد لله وهو بعنوان «تتبع أوهام الحاكم التي سكت عليها الذهبي».
والإمام الذهبي -رحمه الله- يقول في ترجمة الحاكم في شأن «المستدرك»: وياليته لم يؤلفه.
ويقول أيضا: إنه محتاج إلى نظر فيه -أي «المستدرك» - لماذا؟ لأن كتاب الذهبي مجرد تلخيص «للمستدرك»، فإذا جاء منه تنبيه على حديث ضعيف فهو عفو وفضل منه -رحمه الله- والعلماء منهم من أسرف في شأن «المستدرك»، فأبوسعد الماليني يقول: ليس في «المستدرك» حديث صحيح على شرطهما. قالوا: وهذا إسراف وغلو.
والحافظ الذهبي يقول: فيه النصف صحيح، وقدر الربع صالح، والباقي عجائب وغرائب. وقد جمع الحافظ الذهبي نحو مائة حديث من «المستدرك» التي هي موضوعة.
وأعدل شيء في «المستدرك» هو قول الإمام الذهبي فيه، ولا تطمئن النفس إلى ما تفرد به حتى ينظر من أخرجه، لكثرة أوهامه في هذا الكتاب.
أما «صحيح ابن حبان» فهو كتاب عظيم يستفاد منه.
وأما «جامع الترمذي» فقد كان أبوالحسن المقدسي ينصح طلبة العلم بالبدء قبل البخاري ومسلم لسهولته، فإنه يذكر الحديث ويذكر الحكم عليه، ويذكر ما يستنبط منه، ومن قال به من الفقهاء، وإذا ذكر الاسم ذكر الكنية أو النسبة بعد الحديث، وإذا ذكر الكنية ذكر الاسم بعد الحديث، فكتاب الترمذي كتاب عظيم على تساهله هو وابن حبان.
السؤال 186@ يقال إن تساهل الحاكم راجع إلى مافي آخر«المستدرك» لأنه قد حرر أوله ولم يحرر آخره، فما مدى صحة هذا القول؟
الجواب: لعل الأكثر في آخره، وإلا فأوائله وأواخره سواء، ومن أوائل الأحاديث التي في «المستدرك» في كتاب الإيمان يقول: في سنده أبوبلج يحيى بن سليم، أو يحيى بن أبي سليم فهو متساهل في هذا من أوله إلى نهايته، إلا أن التساهل في آخره أكثر.
والحافظ يقول: إن الحاكم كان في أول «المستدرك» يمليه املاء فكان التساهل فيه أقل، وفي آخره لا يمليه.
فعلى هذا فهو إلى نحو نصف المجلد الثالث وهو يمر بنا الإملاء وليس كما يقول الحافظ إنه في أوائله أو في نحو الربع أو النصف.
السؤال 187@ يكثر الإمام النووي -رحمه الله- في «شرحه للمهذب» من القول في بعض الأحاديث: (وهذا الحديث قد اتفق الحفاظ على ضعفه)، فهل يقبل منه ذلك، وهل هذا الأمر ممكن أصلا؟
الجواب: هو كغيره، فالحافظ يتعقبه في كثير من الأشياء مثل قوله: اتفق الحفاظ على أن زيادة (وبركاته) في التسليم في الصلاة ضعيفة، أو غير صحيحة، وكذلك في حديث آخر، فلا بد من نظر فقد عرف أنه ربما يقول هذا ويتعقبه الحافظ، فالإمام النووي كغيره من العلماء لابد أن ينظر في الحديث بسنده ويحكم عليه بما يستحقه.
السؤال 188@ وضع المحدثون قواعد للجرح والتعديل، والحكم على الأحاديث، ومضى عليها من بعدهم فيما ظهر لهم، ولكن بالنظر إلى بعض أحكامهم يجد المحدث أو الباحث أن حكمهم على الحديث بالضعف أو الوضع مخالف لما ظهر له من القواعد، فهل يأخذ بالقواعد التي وضعوها أو يعتمد قولهم في المخالفة؟
الجواب: إذا قال أبوحاتم: هذا حديث ضعيف، أو هذا حديث منكر، أو هذا حديث موضوع، ولم يخالفه أحد من معاصريه، أو ممن بعد معاصريه كالإمام الدارقطني فنأخذ به، إلا إذا قصد حديثا بهذا السند نفسه، فلا بأس إذا جاء من طريق أخرى، فإنهم قد يعلون الحديث بسند واحد كما ذكرنا هذا في مقدمة «أحاديث معلة ظاهرها الصحة» ونقلناه أيضا من «الإلزامات والتتبع» ونقلناه من «النكت على ابن الصلاح» للحافظ ابن حجر بتحقيق أخينا الفاضل الشيخ ربيع بن هادي -حفظه الله- فإن أراد هذا الحديث بهذا السند ضعيف، وعثرت على سند آخر صحيح فلا بأس بذلك، أما إذا قال: الحديث لا يثبت بحال من الأحوال. أو تريد أنت أن تصححه بذلك السند فقد يحكم أبوحاتم بأن الحديث لا يصح لأنه تفرد به فلان، فيأتي الباحث العصري ويقول: وفلان ثقة، فالحديث صحيح، فيامسكين من أنت بجانب ذلك الإمام، أليس الثقة يخالف الثقات؟ أو ليس الثقة يهم أو يغلط؟، فإذا ضعفوا الحديث وهذا الباحث يريد أن يصححه بذلك السند فلا نقبل، لأنهم يعرفون حديث المحدث، وحديث شيوخه، وحديث تلاميذه، وهل هذا من حديث فلان أو ليس من حديث فلان، أما إذا عثرت له على سند صحيح فلا بأس، ولم يجزم الحافظ بأنه لا يصح بوجه من الوجوه من ذلك الزمان كأبي زرعة، وأبي حاتم، والبخاري، ويحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، والدارقطني، ومن سلك مسلك هؤلاء من معاصريهم فمن بعدهم من الحفاظ الكبار ولم يخالفهم أحد من معاصريهم فنأخذ به وأنفسنا مطمئنه، ونترك قول المعاصر، فالفرق بينهم وبيننا أن المعاصر لا يعدو أن يكون باحثا، وهم حفاظ يحفظون حديث المحدث وحديث شيخه، وحديث تلميذه، وهل هذا من حديث فلان أم ليس من حديث فلان.
السؤال 189@ ما هو الفرق في التقليد لقول أحد المحدثين في الحكم على حديث، أو أحد الفقهاء في مسألة فقهية، وقد ذكرتم -حفظكم الله- في «المقترح»(1) أنه لا بأس لطالب العلم أن يقلد الحافظ في التصحيح والتضعيف في «بلوغ المرام»؟
الجواب: لا أظن أنني قلت: يقلد، ولو أعلم أنني قلت تقليدا لشطبتها من الكتاب، بل لا بأس أن يأخذ ويتبع الحافظ في هذا كما أجاب بهذا محمد بن إسماعيل الأمير في كتابه «ارشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد»، فقال: إن قولهم: هذا حديث صحيح معناه: أنه متصل السند يرويه العدل عن مثله غير معل ولا شاذ، ولكنهم يستطيلون هذا، فهم يختصرونه بقولهم: صحيح، فهذا من باب قبول خبر الثقة، وليس من باب التقليد، فإن الله عز وجل يقول في شأن قبول خبر الثقة: ﴿ياأيها الذين ءامنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين﴾(2).
مفهوم الآية أنه إذا جاءنا العدل بالخبر نقبله، على أن الذي يبحث ويتتبع الطرق تطمئن نفسه أكثر من غيره، ولكن لك أن تأخذ بتصحيح الحافظ ابن حجر، ولك أن تأخذ بتصحيح الشيخ الألباني، وبتصحيح العراقي، أو غيرهم من العلماء، ولك أن تبحث، وهذا الذي أنصحك به، وأن تقف على الحقيقة بنفسك.
أما التقليد فتذهب إلى العالم ويقول لك: تفعل كذا وكذا، بدون دليل، فتصلي كما صلى مالك، أو تصلي كما صلى ابن حنبل، أو كما صلى الشافعي، أو كما صلى الشيخ المعاصر، والشيخ المعاصر لم يقل: سأصف لكم صلاة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
وأما إذا قال: سأصف لكم صلاة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وهو مستعد للمناقشة بعد أن ينتهي فلا بأس بذلك ولا يعد تقليدا، فإن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كان يعلم بالقول والفعل، والتعليم بالفعل يرتسم في الذهن أكثر.
السؤال 190@ لربما استخرج المستخرج على «الصحيحين» لفظة ليست عنده، فهل يرجع فيها إلى النظر، أم تترك لاحتمال أنه تركها لعلة عنده؟
الجواب: بل لابد من النظر، هل هذه الزيادة التي زيدت في المستخرج هل الذي زادها يماثل من لم يزدها، أو هو أرجح ممن لم يزدها، فتقبل. أما إذا كان مرجوحا فيتوقف فيها وترد.
السؤال 191@ إذا أورد ابن حبان رجلا في «الثقات» فوثقه وأورد رجلا آخر، ولم يوثقه فهل هما في مرتبة واحدة؟ وهل مراتب ابن حبان في التوثيق واحدة؟ بمعنى أن كل من ذكرهم عنده موثقون في توثيق واحد؟
الجواب: يلتمس، هل وثقه غيره ممن يعتد به -غير العجلي فإنه متساهل كما تساهل ابن حبان-؟ فإذا وثقه غير ابن حبان مثل: ابن أبي حاتم، أو البخاري، أو يحيى بن معين، أو غيرهم من الأئمة الذين ألفوا في الرجال فيقبل مثل: يعقوب بن سفيان، ويعقوب بن شيبة، فمثل هؤلاء يقبل، وإذا تفرد هو بالتوثيق فقول: (ثقة) أرفع من مجرد ذكره في «الثقات»، لأنه قد ذكر في «الثقات» بعض الناس وقيل له من هو؟ فقال: لا أدري من هو ولا ابن من هو؟
ولكن أيحتج به إذا قال: (ثقة) أم نتوقف فيه؟، وإن كان المعلمي له تقسيم في «التنكيل» فقد قسم من وثقه ابن حبان إلى خمسة أقسام، إذا لم يوافقه أحد، أما نحن فنتوقف فيه لما علم من تساهل ابن حبان -رحمه الله- في توثيق المجهولين.
السؤال 192@ بالنسبة للعنعنة في «الصحيحين» ولم نجد لها التصريح بالسماع يقول فيها المزي -رحمه الله-: لا يسعنا إلا تحسين الظن، بصاحبي «الصحيحين»، فكيف نبني على هذا الظن؟ وما الذي أخرج «الصحيحين» عن قواعد المصطلح والجرح والتعديل؟
الجواب: أخرجهما شروطهما، فشروطهما ليست كغيرهما، والحديث المدلس يحتمل أنه قد صرح بالتحديث في مكان آخر، والإمام الدارقطني -رحمه الله- قد أجهد نفسه في التتبع لما أخطأ فيه الشيخان، فما بلغ الخطأ إلا نحو مائتي حديث، وبعضها لم يسلم للدارقطني -رحمه الله تعالى- بأنها منتقدة، على أن انتقادات الإمام الدارقطني اعتبرها العلماء.
فقال ابن الصلاح في «المصطلح»: إن أحاديث «الصحيحين» تفيد العلم اليقيني النظري إلا أحاديث يسيرة انتقدها الحفاظ كالدارقطني وغيره. فهم يعتبرون انتقاداته -رحمه الله-.
السؤال 193@ الذين هذبوا كتب الرجال واختصروها هل كان عملهم مجرد الاختصار والتهذيب، أم هو قائم علىالترجيح في ألفاظ الجرح والتعديل بالنسبة للرجل؟
الجواب: منهم من اختصر مجرد اختصار، وربما يذكر أقوالا متناقضة ولا يلتفت إلى صحيحها من سقيمها، ومنهم من اختصر مع ملاحظة الأسانيد والمتون كما هو شأن الحافظ ابن حجر، وكذلك الحافظ الذهبي رحمهما الله. فهما يلاحظان متون الكلام الذي قيل عن أئمة الجرح والتعديل ويلاحظان السند فرب قصة يسكت عنها الحافظ الذهبي في «ميزان الاعتدال» ويتكلم عليها في «السير» أو يسكت عنها في «السير» ويتكلم عنها في «ميزان الإعتدال» أو يسكت عنها فيهما ويتكلم عليها في «تذكرة الحفاظ»، فهذا هو شأن بعض أهل العلم الذين اختصروا.
وعلى هذا فلا يقال: أن حذفهم الأسانيد يعتبر مخلا، لأنهم أرادوا أن يأتوا بفائدة مختصرة، فربما تمر بك في الترجمة الواحدة في «تهذيب التهذيب» أو «تهذيب الكمال» عدة مراجع ويقربون هذا لك بأوجز عبارة، على أنك إذا استطعت أن ترجع إلى الأصول فعلت ذلك، فربما اختصروا كلمة وحذفوها ولها تعلق بجرح أو تعديل، وربما ذكروا الكلام بالمعنى، ولو ذكر باللفظ لكان فيه زيادة أو نقص، فهذه هي نصيحة الشيخ عبدالرحمن المعلمي -رحمه الله- في «التنكيل» ونعم ما نصح به.
السؤال 194@ بالنسبة لكتاب «تقريب التهذيب» هل يستطيع أحد في هذا العصر أن يحققه ويخالف الحافظ ابن حجر فيه، علما بأنه ليس هناك حافظ في هذا العصر؟
الجواب: أما وضع الكتاب فلا يستطيع أحد أن يضع مثله، لأنه جهود حافظ كبير، وإذا أشكلت علينا عبارات أهل العلم ولم نستطع الجمع والترجيح بينها رجعنا إلى عبارة الحافظ في «تقريب التهذيب».
وأما الأخطاء التي وقعت للحافظ فلأنه جهد كبير، وبعضها أخطاء كبيرة جدا حتى أن شيخنا محمد الأمين المصري -رحمه الله- طلب منا ونحن في الجامعة الإسلامية أن يكتب كل واحد منا في عشرة من كل حرف، وكان قد أعطاني مقبولين من حرف الهمزة، فرأيت أن بعضهم يستحق أن يقال فيه: مجهول العين، وبعضهم صدوق، وبعضهم ثقة، وليس لدي من المراجع في ذلك إلا «تهذيب التهذيب»، فما ظنك لو راجع شخص جميع المصادر التي قد طبعت الآن.
فالانتقادات في موضعها، ومن ذلك الزمان، وأنا أتمنى أن ييسر الله بأخ يقوم بتعقبات للحافظ ابن حجر -رحمه الله- في هذا الكتاب القيم.
وأنا في بحوثي من ذلك الوقت إلى الآن أرجع إلى «تهذيب التهذيب»، ولا أرجع إلى «تقريب التهذيب» إلا إذا لم أستطع الجمع بين أقوالهم، فعندئذ أرجع إلى عبارة «التقريب» وأكتبها.
السؤال 195@ ما هو القول الفصل فيما رمي به الأئمة مثل: الحاكم، وعبدالرزاق بالتشيع؟ وهل ثبت أن عكرمة قال بالقدر؟
الجواب: أما عبدالرزاق الصنعاني -رحمه الله- فقد دخل عليه شيء من التشيع، وقد قيل له: من أين لك هذا؟ مع أن أستاذيك أصحاب سنة؟ فقال: أتى إلينا جعفر بن سليمان الضبعي، وكان ذا هدي وسمت حسن فتأثرنا به فدخل علينا شيء من التشيع، ولم يبلغ به الحال إلى أن يتنقص الأئمة والخلفاء الراشدين والصحابة، بل هو سني من أهل السنة.
وقد جاء في ترجمة عبدالرزاق أنه قال في كلام عمر أنه قال: لفاطمة: جئت تطلبين ميراثك من أبيك وقال للعباس: جئت تطلب ميراثك من ولد أخيك. فقال عبدالرزاق: أنظروا إلى هذا الأحمق لم يقل: جئت تطلبين ميراثك من رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
فينظر هل ثبت عن عبدالرزاق أم لم يثبت، فإن ثبت فهو يعتبر خطأ لا يجوز أن يتبع عليه، وقد قال الإمام الذهبي: أن عمر تكلم بهذا الكلام بناء على قسمة الفرائض أن شخصا مات عن ابنة وعن عم، فما لكل واحد منهما؟ ولم يقصد أن يتنقص رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بأنه ليس نبيا ولا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
وأما الحاكم فقد جاء عنه بعض الانزواء وبعض الانحراف عن معاوية -رضي الله عنه-، وقد قال أبوطاهر عن عبدالله بن محمد الهروي أبي إسماعيل أنه قال: إمام في الحديث لكنه رافضي خبيث.
وقال أيضا كما في «العلل المتناهية» لابن الجوزي وقد ذكر حديث الطير أو حديثا غيره وذكر ابن الجوزي ما فيه من الضعف، ثم ساق بسنده إلى أبي طاهر المقدسي وهو محمد بن طاهر عن شيخه قال: لا يخلو الحاكم إما أن يكون جاهلا فهذا لا يؤخذ عنه العلم وإما أن يكون كذابا دساسا، وهذا أيضا لا يؤخذ عنه العلم.
والحق أنه لا يثبت لا ذا ولا ذاك، فالحاكم ليس بجاهل، عرفنا هذا من ترجمته، وعرف العلماء منزلته الرفيعة كما في «سير أعلام النبلاء» وفي «تذكرة الحفاظ» وفي «الإرشاد» للخليلي، فهو إمام متفق على جلالته.
فالحاصل أن بهما شيئا من التشيع لا يخرجهما إلى الرفض كما قال الحافظ الذهبي عند أن ذكر هذا الكلام عن أبي إسماعيل الهروي، قال: إن الله يحب الإنصاف ما الرجل برافضي ولكن به شيء من التشيع.
وقال المعلمي في «التنكيل» عندما ذكر كلام أبي إسماعيل الهروي: إمام في الحديث رافضي خبيث، قال المعلمي: لعل السجعة هي التي حملت قائلها إلى أن يقول ما قال. وما أشبهها بما كتب الصاحب بن عباد إلى قاض (بقم) -وهي بلدة كانت سنية ثم أصبحت رافضية- فكتب الصاحب بن عباد:
أيها القاضي بقم قد عزلناك فقم
فلما وصلت إلى القاضي تذكر ذنوبه ماهو الذي فعله؟ فلم يجد أنه أذنب ولا فعل شيئا، فقال: والله ما عزلتني إلا السجعة.
وأما عكرمة فقد رمي برأي الخوارج وليس بالقدر، فإن الذي رمي بالقدر هو قتادة، وقد دافع عن عكرمة الحافظ ابن حجر وبرأه وذكر في «فتح الباري» في الكلام على سبب نزول قول الله تعالى: ﴿إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا﴾(3) أنه قيل لعكرمة وقد سأله شخص: أأخرج مع هؤلاء الذين يخرجون؟ أي: للقتال، والقتال بين مسلمين، فقال له عكرمة: لا تخرج، ثم استدل بهذه الآية أي: لا تكثر سواد أهل الباطل ولا تخرج. قال: في هذا دليل على أن عكرمة لا يرى رأي الخوارج.
السؤال 196@ ذكر الشيخ عمرو بن عبدالمنعم في كتابه: «لا دفاعا عن الألباني فحسب بل دفاعا عن السلفية»: أن ابن معين قد يطلق لفظة: (ثقة)، ولا يريد بها إلا إثبات صفة الصدق والعدالة للراوي فما تقولون؟
الجواب: الأصل في (الثقة) أنها توضع لمن اجتمع فيه الحفظ والعدالة، فإذا نص ابن معين على ذلك قبل عنه ذلك، وإلا فهذا هو الأصل في هذه اللفظة، إذا قالوا: (ثقة) بمعنى أنه حافظ وعدل، وأن حديثه ينبغي أن يصحح.
السؤال 197@ ماهو مقصود الحاكم -رحمه الله- بقوله: (على شرطهما) وقوله: (على شرط الشيخين)؟
الجواب: هما بمعنى واحد على شرطهما أو على شرط الشيخين، أي: البخاري ومسلم، والصحيح من أقوال أهل العلم أن المقصود بهذا هو أن رجال هذا السند هم رجال الشيخين، أو قال: على شرط البخاري، أن رجال هذا السند هم رجال البخاري، أو فيهم واحد من رجال البخاري فقط، والباقون متفق عليهما أو على شرط مسلم، كما يقول الحاكم في بعض الأوقات: على شرط مسلم فقد روى لسماك، أو على شرط البخاري فقد روى لعكرمة، أو صحيح فإن البخاري قد أخرج لعكرمة، ومسلم قد أخرج لسماك، وبعضهم يقول: إن معنى على شرطهما، أي: أن هذا الحديث قد توفرت فيه الشروط التي يشترطونها في «صحيح البخاري ومسلم»، وإن لم يكن رجاله رجالهما، وهذا ليس بصحيح فقد ذكرنا أمثلة بحمد الله في مقدمة «المستدرك» متكاثرة، وذكر الحافظ ابن حجر مثالا أو مثالين في «النكت»، قال: فإن قلت: إن الحاكم قد يقول: على شرطهما، ويوجد فيه رجل ليس من رجالهما، أو يوجد فيه رجل ضعيف، يقول الحافظ: فنعده من أوهام الحاكم المتكاثرة.
وهذا الذي قاله الحافظ كلام حق، فعرفنا من هذا أن قوله على شرطهما، أو على شرط الشيخين، أي: أن رجال هذا السند رجال الشيخين، كما قد صرح الحاكم بهذا في غير موضع.
السؤال 198@ قول يحيى بن سعيد القطان: كل من هو عاصم فهو ضعيف، هل هذه القاعدة على إطلاقها، وكيف نفعل بعاصم بن بهدلة؟
الجواب: وهناك أقوى من عاصم بن بهدلة، عاصم بن سليمان الأحول، فلا تسلم له هذه القاعدة.
السؤال 199@ عندنا حديث مرسل قد جاء من طريقين، فهل يقوى بهما أم له شروط؟
الجواب: هذه مسألة اجتهادية والشافعي -رحمه الله- يقول: إن مرسلا مع مرسل يرتقي إلى الحجية. ويشترط أيضا ألا يتحد المخرج فمثل مرسل قتادة مع مرسل سعيد بن المسيب يحتمل أنهما مرسل واحد، وأن قتادة رواه عن سعيد بن المسيب.
وإذا روى همام بن منبه وروى قتادة فهذا روى مرسلا، وذاك روى مرسلا، فهذا عند الإمام الشافعي يرتقي إلى الحجية، لأن همام ابن منبه يمني وقتادة بصري، وهذا مجرد مثال.
فهذه مسألة اجتهادية وليست بملزمة لأن مسألة التصحيح والتضعيف مبناهما على غلبة الظن.
السؤال 200@ يقول ابن معين -رحمه الله- في الرجل: ثقة، ثم يقول في موضع آخر: صدوق، فكيف نجمع بينهما؟
الجواب: إن علم المتقدم من المتأخر من كلام يحيى بن معين فتأخذ بالمتأخر، وإن لم يعلم تنظر أسباب كلامه، فربما قال: ثقة، وقد قورن بضعيف، فهو ثقة بالنسبة إلى هذا الضعيف، وربما قال: صدوق وقد قورن بثقة أرفع منه فقال: صدوق، فتكون الإجابة كما ذكر صاحب «فتح المغيث» بحسب من قورن به، بحيث لو سئل يحيى بن معين عن الرجل بمفرده استقر رأيه على أنه صدوق أو أنه ثقة، فإذا لم يظهر لا هذا ولا ذاك، أخذت رتبة وسطى وهي: جيد، وقلت في حديثه: جيد، أو فلان جيد، فهي رتبة بين الحسن والصحة.
السؤال 201@ ماذا يقصد الإمام أحمد بلفظة: (منكر) في الحديث أو في الرجل؟
الجواب: أما إذا قال في الحديث: (منكر) فهو محمول على النكارة وعلى التفرد، فقد يتفرد راو من بين سائر الرواة، وربما أطلق الإمام أحمد النكارة بمعنى التفرد، حتى ولو تفرد به راو ثقة وهو محتج به مثل قوله في محمد بن إبراهيم التيمي: روى مناكير، ومحمد بن إبراهيم التيمي هو حامل لواء حديث «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل أمرئ ما نوى» فهو يرويه عن علقمة بن وقاص عن عمر بن الخطاب.
فربما يطلقها على الثقة وهو يعني أنه يتفرد بأحاديث، ولا يعني أنها ترد، وهكذا الإمام النسائي -رحمه الله- وربما يطلقها على النكارة التي هي ضد المعروف، فإذا لم يظهر لا ذا ولا ذاك من تصرفه، حملت على النكارة التي هي ضد المعروف وتوقف فيه.
لكن مثل قوله في محمد بن إبراهيم التيمي: يروي المناكير، ومن كان على شاكلة محمد بن إبراهيم التيمي فهو يعني أنه يتفرد ببعض الأحاديث، والتفرد لا شيء فيه إذا لم يخالف من هو أرجح منه.
السؤال 202@ قولهم في الرجل: متروك، هل هو جرح مفسر؟
الجواب: الصحيح أنه جرح مفسر، لأنهم يعنون بأنه متهم بالكذب أو أوهامه أكثر من صوابه، وقد توسع بعضهم في غير المفسر فجعل منه كذابا وقال: إنه جرح غير مفسر، كما قاله حسين السياغي، وكما نقله عن محمد بن إبراهيم الوزير من «تنقيح الأنظار»، وكما في «تدريب الراوي» (ج1 ص306) نقلا عن الصيرفي.
السؤال 203@ ماهو القول الفصل في الحارث الأعور؟
الجواب: لا يحتج بحديثه، فتلميذه الشعبي يقول: حدثنا الحارث الأعور وكان كذابا، وأما قول من قال: إن ضعفه من أجل رأيه لا في روايته، فالصحيح أنه لا يحتج به، فهل احتج به البخاري، ومسلم، وابن حبان، وابن خزيمة، فلا يحتج بالحارث الأعور، ولا يصلح في الشواهد والمتابعات، وكذاب جرح مفسر.
السؤال 204@ أيهما ترجح على الآخر ابن خزيمة أم تلميذه ابن حبان لأن السيوطي في «التدريب» قدم ابن خزيمة، وشعيب الأرناؤوط نافح عن ابن حبان وقدمه؟
الجواب: لا شك أن ابن خزيمة أرجح، وأن ابن حبان توسع في القاعدة وإن كان قد شارك شيخه في توثيق المجهولين.
«فصحيح ابن خزيمة» يعتبر أرجح من «صحيح ابن حبان».
السؤال 205@ بالنسبة لحديث الآحاد هل يفيد العلم، وهل تقبل قراءة القرآن بخبر الآحاد؟
الجواب: أما تقسيم الحديث إلى آحاد ومتواتر، فهو تقسيم مبتدع، وأول من ابتدع هذا هو عبدالرحمن بن كيسان الأصم الذي قال فيه بعضهم: وهو عن الحق أصم. وتبعه على ذلك تلميذه إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم الشهير بابن علية، ووالده هو المشهور بابن علية وهو -أي والده إسماعيل- من مشايخ الإمام أحمد ومن رجال الشيخين، أما إبراهيم بن إسماعيل فجهمي جلد، وأما ما جاء عن الشافعي أنه استعمل في «الرسالة» متواترا فلعله أخذها عن أهل الكلام.
فتقسيم الحديث إلى آحاد ومتواتر يهون من قيمة السنة المطهرة في نفوس كثير من الباحثين، وهو باب للشر قد فتح، فحالق اللحية يحلق لحيته وتريد أن تنصحه فيقول: أحاديث إعفاء اللحية أحاديث آحاد، والمصور يصور فتنصحه، ثم يقول: أحاديث تحريم الصور أحاديث آحاد. فقد فتحوا بابا من أبواب الشر.
والصحيح أن الحديث إذا ثبت عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وجب قبوله، ونقول يجب قبوله ولا نقول: يجب العمل به، لأن العمل قد يكون واجبا، وقد يكون محرما وقد يكون مكروها، وقد يكون مستحبا، وقد يكون مباحا.
ولكننا نقول: يجب قبوله، إذا ثبت سنده، وسلم من العلة والشذوذ، ولا يضرنا أأفاد علما أم أفاد ظنا، فالناس يختلفون في معرفتهم للرجال، ويختلفون في معرفتهم لأوهام الرجال، فقد يهم الحفاظ أمثال: شعبة بن الحجاج، وسفيان الثوري، وغير هذين الحافظين، وإنما مثلت بهما لكونهما غاية في الإتقان.
فعلى هذا إذا ثبت سند الحديث وسلم من العلة والشذوذ وجب قبوله، سواء أفاد علما أم أفاد ظنا.
وأبومحمد بن حزم يقول: إنه يفيد علما، واستدل بقوله تعالى: ﴿ولا تقف ما ليس لك به علم﴾ والصنعاني في تعليقه على «المحلى» عند كلام أبي محمد بن حزم المتقدم يقول: إنه يفيد ظنا، واستدل بحديث «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل» وليس كل الظن ممقوتا، لأن ابن حزم -رحمه الله- استدل بقوله تعالى: ﴿إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا﴾(4).
فقال الصنعاني: إن المراد بالظن ههنا: الذي هو بمعنى الشك، وإلا فإن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل?».
ويقول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب»، أي: مبناها على التحري وهي من أشرف العبادات.
ويقول أيضا في شأن بيان العمل بالظن: «إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له بحق أخيه شيئا، فإنما أقطع له قطعة من النار».
شاهدنا من هذا أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قد يحكم بغير العلم، ويحكم بالظن، ويجوز أن يكون في حكمه مصيبا وأن يكون مخطئا.
السؤال 206@ ما حكم من يغلط في ضبط الحديث مثل ما ذكره الخطابي -رحمه الله- في غلط المحدثين في حديث ذي اليدين فقال: سرعان، وسرعان، وسرعان الناس، ونحن كطلبة علم ربما قرأنا الحديث فربما أخطأنا فيه فما حكم ذلك؟
الجواب: الواجب هو التحري أما المعروف والذي رجحه الخطابي فهو: سرعان.
وهذا لا يدخل في حكم الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، أو الوعيد على الكذب، لأن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: «من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار».
وقد جاء عن الأصمعي وهو عبدالملك بن قريب أن الذي يلحن يتناوله أو يخشى عليه قول رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- «من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار».
ولكن الصحيح أن الذي يلحن أو يصحف غير متعمد فلا يشمله الوعيد، لكن الواجب عليه أن يتعلم وأن يصلح لسانه.
السؤال 207@ ما حال حديث: «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله»؟
الجواب: الذي يظهر أنه مرسل من مراسيل إبراهيم العذري، وجاء من طرق أخرى لا ترتقي إلى الحجية، وجاء عن الإمام أحمد أنه يقول: إنه صحيح، وقد خولف الإمام أحمد -رحمه الله-، ثم لو صح فهو على الأمر لا على الإخبار، بمعنى: ليحمل هذا العلم من كل خلف عدوله. قال بهذا بعض أهل العلم.
وقد استدل ابن عبدالبر بهذا الحديث على أن حملة العلم أو المحدثين عدول، وهذا مخالف لما جاء في تراجم المحدثين، فمثلا سليمان ابن داود الشاذكوني أبوأيوب وكان حافظا، جاء عنه أنه كان يشرب الخمر، وقال فيه الإمام البخاري: إنه أضعف من كل ضعيف.
وكذلك محمد بن عمر الجعابي نقل عنه أنه كان لا يصلي، فالواقع يخالف ما قاله ابن عبدالبر -رحمه الله-: أن حملة علم الحديث كلهم ثقات.
وعندنا بحمد الله «ميزان الاعتدال»، والإمام الشافعي -رحمه الله- يقول: من روى عن البياضي بيض الله عيونه.
ويقول أيضا في حرام بن عثمان: الرواية عن حرام بن عثمان، حرام.
وما أكثر المحدثين الذين يعتبرون من حملة الحديث ومن حفاظه الكبار، ومع ذلك فهم مضعفون مثل: أحمد بن محمد بن سعيد الشهير بابن عقدة، فهو حافظ كبير أمثاله قليل في الحفظ من معاصريه، ومع هذا فهو ضعيف.
السؤال 208@ «أربعة من العرب: هود، وصالح، وشعيب، ونبيك يا أبا ذر»، هل هذا حديث وإن كان حديثا فما حاله؟
الجواب: هو حديث، لكنه ضعيف، فيه إبراهيم بن هشام بن يحيى ابن يحيى الغساني وقد كذبه أبوحاتم، وأبوزرعة، كما في «الميزان».
السؤال 209@ ما صحة نسبة كتاب «الروح» للإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى-؟
الجواب: هو صحيح، والعلماء يثبتونه، وقد حصلت له أخطاء فيه لا ينبغي أن يتابع عليها، وبعضهم يقول: لعله ألفه قبل أن يثبت عقيدته.
وآخرون يقولون: لعله ألفه قبل أن يجالس شيخ الإسلام ابن تيمية، ولكنه ينقل في هذا الكتاب عن شيخ الإسلام ابن تيمية، فهذا دليل على أنه كان يجالسه، وعلى كل فيتوقف فيما يرى مخالفا لأصول الشرع والأحاديث الصحيحة.
_______________________
(1) ? أي الطبعة الأولى منه، وهذه الأسئلة إنما أضيفت في هذه الطبعة.
(2) ? سورة الحجرات، الآية: 6.
(3) ? سورة النساء، الآية: 97.
(4) ? سورة النجم، الآية: 28.