الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على نبينا محمد ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعد :
فمنهج أهل السنة والجماعة في الكلام على الأفراد والجماعات هو منهج العدالة ، فإن الله عز وجل يقول في كتابه الكريم : " إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ "
ويقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم : " لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا "
ويقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم : " وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ "
وفي ( الصحيحين ) عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - على السمع والطاعة في العسر واليسر ، والمنشط والمكره ، وعلى ألا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان ، وعلى أن نقول الحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم .
وفي ( مسند الإمام أحمد ) عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه : أن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أمره بسبع ومنها : وأن يقول الحق ولو كان مراً .
إننا إذا قرأنا كتاب الله وجدنا فيه التعديل للصالحين والمؤمنين ، ووجدنا فيه التجريح لأصحاب المعاصي والكافرين ، فموسى عليه السلام يقول لصاحبه : " إنكَ لَغَويٌّ مُبين " .
وفي ( الصحيحين ) عن عائشة رضي الله عنها أن هنداً أتت النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - فقالت : يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح ، لا يعطيني ما يكفيني وولدي بالمعروف ، فهل علي جناح أن آخذ ما يكفيني وولدي ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - : " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " شاهدنا من هذا قولها : إن أبا سفيان رجل شحيح ـ وأقرها النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - .
وفي ( الصحيحين ) عن عائشة رضي الله عنها : أن رجلاً استأذن على النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - فقال : " ائذنوا له بئس أخو العشيرة " ، فدخل على النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وألان له الكلام ، فلما خرج قالت عائشة : يا رسول الله قلت ما قلت ثم لما دخل ألنت له الكلام ؟ فقال : " يا عائشة إن شر الناس من تركه الناس اتقاء فحشه " .
وفي ( الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قال لأبي ذر : " إنك امرؤ فيك جاهلية " .
وفي ( الصحيحين ) أيضاً أن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قال لمعاذ : " أفتان أنت يا معاذ ؟ " .
وفي ( الصحيح ) أن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قال لحمل بن مالك بن النابغة وقد اختصم مع رجل في شأن امرأة ضربت أخرى فأسقطت جنينها : " فيه غرة عبد " ، فقال حمل بن مالك بن النابغة : كيف ندي من لا صاح ولا استهل ولا شرب ولا أكل فمثل ذلك يطل ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - : " إنما هذا من إخوان الكهان " من أجل سجعه .
وفي ( صحيح البخاري ) أن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قال : " ما أظن فلاناً وفلاناً يعرفان من ديننا شيئاً " . والليث بن سعد يقول : إنهما منافقان ، ولكن الليث بن سعد لم يسنده ، والأدلة على الجرح والتعديل أكثر من أن تحصر .
ومن أمثلة ذلك : أن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قال : " إن الله حجب التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته " .
ويقول النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - : " فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة " ، ففي هذا دليل كما قال أبو حاتم وابن حبان وغيره على جرح أصحاب البدع .
وفي ( الصحيح ) من حديث أبي سعيد الخدري وعلى بن أبي طالب : أن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - عند أن قسم الغنيمة يوم حنين أتاه ذو الخويصره وقال : اعدل يا محمد ، فهم به بعض الصحابة ، فقال النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - : " دعوه فإنه سيخرج من ضئضئ هذا قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم ، وصيامكم مع صيامهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية " ، فهذا دليل على جرح أصحاب البدع .
وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال : رأى النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - رجلاً يأكل بشماله فقال له : " كل بيمينك " ، قال : لا استطيع ، ما منعه إلا الكبر ، فقال النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - : " لا استطعت " ، فما رفعها إلى فيه .
وبحمد الله من إخواننا من أعد بحثاً في أدلة الجرح والتعديل ، وإذا كان هذا في كتاب الله ، وفي سنة رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - فالسلف مجمعون على ذلك .
والفرق بين الجرح والغيبة ، أن الغيبة هي ذكرك أخاك بما يكره ، وإن كان فيه على سبيل التشفي والاختقار ، أما الجرح فإنه من باب النصيحة والمحافظة على الدين .
وفي مقدمة ( صحيح مسلم ) أن بشير بن كعب حدث ابن عباس رضي الله عنهما بأحاديث فقال له في حديث منها : أعد ، فأعاده فقال له بشير بن كعب : يا ابن عباس لا أدري أرضيت أحاديثي كلها إلا هذا ، أم أنكرت كلها إلا هذا ؟ فقال ابن عباس : إن الناس كانوا إذا سمعوا أحداً يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ابتدرته أبصارهم ، فلما ركب الناس الصعب والذلول زهدوا ، أو بهذا المعنى .
وهكذا محمد بن سيرين يقول : ما كان الناس يسألون عن الرجال حتى حدثت الفتنة ، فقلنا : بينوا لنا رجالكم لنعرف صاحب البدعة من صاحب السنة .
إن العلماء أجمعوا على شرعية الجرح والتعديل ، قد يكون واجباً ، وقد يكون مستحباً ، فكان شعبة بن الحجاج يقول لبعض أصحابه : هلم بنا نغتب في الله .
وقال بعضهم للإمام أحمد بن حنبل وقد تلكم في بعض الرجال : لا تغتب الرجل ، فقال : إنه الدين وإذا سكت وسكت فلان وفلان فمن يبين ؟! .
فعلماؤنا محتاجون إلى ذلك ، فقد ظهر في المجتمع المسلم في زمنهم من يروي الأحاديث الباطلة مثل : محمد بن شجاع الثلجي يقول : إن الله أجرى فرساً حتى إذا عرق الفرس خلق نفسه منها ، قال هذا الخبيث للقدح في الدين .
ومثل : محمد بن سعيد المصلوب : لا نبي بعدي إلا أن يشاء الله ، ليحوزها إلى بدعته ، ومثل : بعض الرافضة يروي مثل حديث : علي خير البشر من أبى فقد كفر ، يقول الحافظ ابن كثير في ( البداية والنهاية ) : موضوع قبح الله رافضياً وضعه .
ومثل : حديث أن قتل علي بن أبي طالب عمرو بن ود تعدل عبادة الثقلين ، قال الحافظ الذهبي بعد أن ذكره الحاكم في ( مستدركه ) : موضوع ، فبح الله رافضياً وضعه .
والإمام الشافعي رحمه الله له عبارات لطيفة مضحكة يقول : من روى عن البياضي بيض الله عيونه .
ويقول أيضاً : الرواية عن حرام بن عثمان حرام ، ويقول شعبة بن الحجاج : لأن أزني - وفي رواية : لأن أشرب من بول حماري - أحب إلي من أن أروي عن أبان بن أبي عياش .
والفرق بيت أبان بن أبي عياش وعبدالمجيد الزنداني كما بين السماء والأرض ، فأبان بن أبي عياش رجل عابد فاضل سيئ الحفظ إذا حدث يكذب من دون عمد كما قال فيه أيوب وغيره ، وكما جاء عن يحيى بن سعيد القطان : لم نر الصالحين في شيئ أكذب منهم في الحديث ، قال مسلم : يعني : يجري الكذب على ألسنتهم ولا يتعمدون ذلك .
أما عبدالمجيد الزنداني ففي التنسيق مع البعثيين والناصريين ، فإذا جاء عند أهل السنة يقول : أعوذ بالله هذا كفر ، ولكن يقوم ويدافع بشريطين في محاضرة له عن هذا التنسيق .
وهكذا إجابته في جريدة المستقبل : هل توافق على الديمقراطية ؟ قال : أوافق عليها أنا وعلماء اليمن ، وهكذا مسألة الانتخابات الطاغوتية من الحديدة إلى تعز إلى صنعاء وإلى وإلى وهو يدعو إلى الانتخابات الطاغوتية .
ومجلس النواب الذي يسمونه مجلساً تشريعاً ، ورب العزة يقول : " أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ۚ"، يقول : نحن نريد أن نصلح ، وسلمنا أنكم تريدون أن تصلحوا عشرة في المائة فهل يجوز لكم أن تشاركوا في الباقي ؟ فإننا لسنا مفوضين في دين الله .
وقد شكا إليه بعض إخواننا وهو بمكة قبل أن يخرج إلى اليمن الفساد المنتشر فقال : لعله يأتي الإصلاح من باب التجمع اليمني ، وقابله بعض إخواننا بمأرب وقالوا له : ننشدك الله أتتوقع الإصلاح من حزب الإصلاح ؟ قال لا ،
والرسول - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يقول : " شر الناس منزلة ذو الوجهين الذي يأتي هذا بوجه ، وهذا بوجه " ، فأنت تطالبني أن أذكر لك ما يقوم به من المحاضرة ويجتمع عنده الآلآف ، فهذه لمقاصد ، فبعد المحاضرة يقول : نريد أن تصوتوا للإصلاح .
وإذا قلت : إنه سني ، فأقول : ما عرفت السنية ولا عرفت السلفية لا هو ولا عبدالرحمن عبدالخالق ، السلفية والسنية منهما برئتان .
فالقصد أن كثيراً من الناس لما كانوا هم المجروحين يقولون : لا بد أن تذكر الفضائل والمساوئ ، فأقول : هذا في رجل فاضل به شيئ من البدعة ، أو رجل عابد يحث بأحاديث ضعيفة وموضوعة من دون قصد ، فتذكر هذا وهذا ، وأريد أن تقف على ( ميزان الاعتدال ) لترى ما عليه علماؤنا المتقدمون فمنهم من لا يبقون ولا يتركون شيئاً ، ومنهم - أي : في الجرح - إذا كان الرجل متماسكاً ويخطئ في حديث رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ذكروا هذا وهذا ، ولما كان القوم مجروحين يدافعون ويقولون : لا تجرح ولا تتكلم في ( جمال الدين الأفغاني )، ولا تتكلم في ( محمد عبده المصري ) ، ولا تتكلم في ( محمد رشيد رضا ) ، ولا تتكلم في ( شلتوت ) ، ولا تتكلم في ( محمد الغزالي ) .
أتاني مجموعة من الإخوان المفلسين ، وقد أخرج محمد الغزالي كتابه ( السنة بين أهل الفقه وأهل الحديث ) فقالوا : نريد أن تقدح في الكتاب ، ولا تقدح في الرجل ، فقلت لهم : سأقدح في الخبيث ، أما أنني أقول : كتاب السنة كتاب ضلال ، ومحمد الغزالي رجل فاضل داعية كبير ، فنعم هو داعية كبير ولكن إلى الضلال ، فكتبه كأنها مجلات ، فأنا أقدح في الكتاب ، وبعد أسبوع يُخرج كتاباً آخر ، فأحتاج إلى أن أقدح فيه ، فلا ، ومثل هؤلاء الزائغين ( حسن الترابي ) ترب الله وجهه في التراب ، فهو الذي يقول : لا بأس بالاختلاط ، وهو الذي يقول : إن ( صحيح البخاري ) يحتاج إلى نظر فيه ، يقال : صحيح أخرجه البخاري ، وصححه الترابي .
فهذه أضحوكة لا يستحيون ، فمثل هؤلاء أفراخ الاعتزال وأفراخ العلمانية ينبغي أن تحذر منهم ومن كتبهم كما حذر الإمام أحمد من الحسين الكرابيسي ، ومن كتبه ، وكما حذر غيره ، فالإمام الذهبي يقول في ( ميزان الاعتدال ) : رتن وما أدراك ما رتن دجال من الدجاجلة ادعى الصحبة بعد ستمائة سنة .
وهكذا غير واحد من الرافضة يتكلم فيهم علماؤنا ، حتى أن الرافضة بحمد الله مهزوزون ، ( حسن البنا ) الذي يدعو إلى التقريب بين أهل السنة وبين الشيعة ، ثم يقولون : لا تتكلم في حسن البنا ، بل لا بد من أن نقول الحق ، والحمد لله فالحق منتشر ، ولا نصدق قولكم يا أيها الإخوان المفلسون :
إن للإخوان صرحاً ***** كل ما فيه حسن
لا تسل عمن بناه ***** إنه البنا حسن
فالديمقراطية عندهم حسنة ، والتنسيق مع حزب الوفد وحزب العمل حسن ، واللقاء الودي مع الحزب الاشتراكي في اليمن حسن .
ولو أطعناهم ما طلبنا العلم ، فقد كانوا يأتون إلى المدينة ويقولون : الشيوعية احتلت البلاد ، وأنتم جالسون ههنا ،وإذا بقيتم سيكون الشيوعي في المطار ، يأخذك من المطار إلى السجن ، فقلنا لهم : إن شاء الله سنطلب علماً حتى نستطيع أن نواجه أعداء الإسلام .
وقبل أمس تنشر جريدة ( الغفلة ) اللقاء الودي بين حزب الإصلاح وبين الحزب الاشتراكي .
وهم يدجلون على الناس : " اعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا " فما معنى هذا ؟ اي : تعالوا معنا حتى لا ننكر منكراً ولا نأمر بمعروف ، ولا ننهى عن منكر .
وأنت أيها الصوفي بحضرموت ، وأنت يا مرعي صاحب الحديدة كونوا في مأمن من حزب الإخوان المفلسين فإنه مستعد أن يرعاكم ، وإن شئتم أن تكونوا رؤساء لأهل بلدكم فافعلوا ، وقد كانوا يقولون : نحن سلفيون فلا تؤاخذونا بما يفعل الإخوان المسلمون بالسودان ، وبما يفعل الإخوان المسلمون بمصر ، وبما يفعل الإخوان المسلمون بالشام ، فنحن سلفيون ندعو إلى الكتاب والسنة .
وإذا قال لي الأخ هو من الإخوان المفلسين بالسعودية : أنا سلفي ، لا أصدقه ، لأنها أنظمة ، نظام عالمي لا يستطيع الفرد أن يتصرف فيه .
وهناك كتيب لعقيل بعنوان ( تقويم الجماعات ) فمؤلفه بوق من الأبواق لما يصب في أذنه ، فأنا آسف أن يكون متخرجاً من هذه المدرسة ويكون بوقاً لغيره .
فأقول لكم : ارجعوا واقراوا في ( ميزان الاعتدال ) تجدونهم يجرحون بعض الناس ولا يبقون شيئاً ، وتجدونهم يذكرون بعض الناس وما فيهم من الخير وما فيهم من الشر .
أما الذي يقول : لا فرق بين السني والشيعي ، وهو على هذه الحالة فهم الإخوان المسلمون .
فالحاصل أن علماءنا رحمهم الله قاموا بجهد يشكرون عليه من بيان ما عليه المبتدعة ، وما عليه الضعفاء ، وما عليه الوضاعون ، وما عليه الصالحون ، الذي يجري الكذب على ألسنتهم وهم لا يشعرون ، فنزلوا كلاً منزلته ، وهذه هي العدالة أن ينزل الناس منازلهم .
------------------------
راجع كتاب غارة الأشرطة ( 2 / 398 إلى 404 )