الذي أنصح به هو ما نصح النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أبا موسى ومعاذ بن جبل حيث قال لهما : " يسّرا ولا تعسّرا، وبشّرا ولا تنفّرا ، وتطاوعا ولا تختلفا " ، وما جاء في "الصحيحين" من حديث أنس أن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قال: " إنّما بعثتم ميسّرين ولم تبعثوا معسّرين " ، وبما جاء أيضًا في "الصحيح" عن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قال لعائشة : " إنّ الرّفق لا يكون في شيء إلاّ زانه ولا ينْزع من شيء إلاّ شانه " ، ونحن في مجتمع لا نستطيع أن ندعوه إلا بالرفق واللين ؛ لأنه ليس بأيدينا سلطة .
ثم بعد ذلك المجتمع هو رأس مالنا فلا ينبغي أن ننفر المجتمع، ندعو المجتمع من كتاب إلى كتاب الله ومن سنة رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - إلى سنة رسول - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ، والقبيلي مستعد أن يكفر في سبيل الكبْر ، فإذا شاددته وأردت أن تلزمه أو تصارعه مستعد أن يقتلك أو تقتله وهو مسلم وأنت مسلم، والرسول - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يقول كما في "الصحيح" من حديث أبي بكرة : " إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النّار " ، ويقول أيضًا كما في "الصحيحين" من حديث ابن مسعود: " لا يحلّ دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّي رسول الله إلاّ بإحدى ثلاث : النّفس بالنّفس ، والثّيّب الزّاني ، والمارق من الدّين التّارك للجماعة " .
ثم بعد ذلك الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم : " وقل لعبادي يقولوا الّتي هي أحسن إنّ الشّيطان ينْزغ بينهم إنّ الشّيطان كان للإنسان عدوًّا مبينًا " ، ويقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم : " ولا تستوي الحسنة ولا السّيّئة ادفع بالّتي هي أحسن فإذا الّذي بينك وبينه عداوة كأنّه وليّ حميم " .
فنحن نقول : إن إخواننا العامة إذا سخطوا علينا قابلناهم بالتي هي أحسن ، وشيعة اليمن نحن نعتبرهم مسلمين مبتدعة ، فإذا تقدموا خطوة تأخرنا أخرى ، لأننا نعتبرهم مسلمين ولا نستحل دمائهم ولا أموالهم ولا أعراضهم ، وقد رأينا سنة رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أقوى منا ؛ فقد ضربتهم سنة رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وبحمد الله أيضًا ضربوا بسبب التأليف وبسبب الدعوة إلى الله ، فالدعوة إلى الله أنفع ، ورب العزة يقول في كتابه الكريم : " ادع إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة " .
فلا بد من دعوة بحكمة وموعظة حسنة، وأن تعرف من تواجه، أنت تواجه أخاك المسلم لا تستحل ماله ولا دمه ولا عرضه فإن قبل منك اليوم وإلا فسيقبل غدًا أو بعد غد ، أما أن يكون الانتصار للنفس, شأن أهل الدنيا أنّهم إذا خالفهم أحد نبذوه ورموه بالألقاب المشنعة، فذاك بعثي وذاك ناصري وذاك شيوعي ، وربما لا يكون بعثيًّا ولا ناصريًّا ولا شيوعيًّا، لكن لأجل أنه خالفهم ولم يستجب لهم .
فلا بد من الدعوة برفق ولين ، لأن أهل السنة يمثلون سنة رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ورب العزة يقول في كتابه الكريم : " وما أرسلناك إلاّ رحمةً للعالمين " ، فينبغي أن تكون دعوة أهل السنة رحمة من عند الله عز وجل ، يقول سبحانه وتعالى : " لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتّم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم " ، ويقول الله سبحانه وتعالى : " فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضّوا من حولك " .
وقد كان النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يعامل أجلاف الأعراب غير معاملة أفاضل صحابته، فذاك الذي من أفاضل صحابته يقول له: " إنّك امرؤ فيك جاهليّة " يقصد أبا ذر, وآخر يقول له : " أفتّان أنت يا معاذ " ، لكن الأعرابي يأتي إلى رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ويمسكه بحاشية ردائه ويقول : يا محمد أعطني فإنّك لا تعطيني من مالك ولا من مال أبيك. فيعطيه.
فدعوة العامي تحتاج إلى صبر وإلى تأليف ، ينبغي أن تتألفوا العامة ، فقد جعل الله سبحانه وتعالى قسطًا في الزكاة للمؤلفة قلوبهم، وينبغي أيضًا أن تحسنوا إليهم؛ فأنتم دعاة إلى الجنة، لا ينبغي أن نكون دعاة إلى النار ولا ينبغي أن نكون منفّرين وينبغي أن نعرف من ندعو فنحن ندعو أهل اليمن الذين قال فيهم النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - : " إنّهم ألين قلوبًا وأرقّ أفئدةً" ، وقال النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - : " الإيمان يمان والحكمة يمانية " .
وقد رأينا من الاستجابة بعد تلكم الحالة التي قصصتها عليكم ، ومن استقبال أهل السنة لسنة رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ومن حفاوتهم بإخوانّهم أهل السنة ، وإكرامهم لإخوانّهم أهل السنة ، فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، ورب العزة يقول : " وجعلنا منهم أئمّةً يهدون بأمرنا لمّا صبروا " ، فلا بد أن تصبر على العامي، ولا بد أن تصبر أيضًا على طلب العلم، ولا بد أن تصبر أيضًا على أبيك وأمك وعلى أخيك وأختك وعلى مجتمعك، لا تكن فظًا غليظًا، ولا تنتصر لنفسك، ربما كانت الخصومة شهوة نفس فينبغي أن تبتعد عن شهوة النفس وعن حظوظ النفس، والله المستعان.
فننصح إخواننا القائمين بالدعوة هنالك في أفغانستان بالرفق واللين وبالدعوة إلى كتاب الله وإلى سنة رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ، وبتقديم الأهم فالأهم إن استطاعوا؛ فقد روى البخاري ومسلم في "صحيحيهما" أن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قال لمعاذ : " إنّك ستأتي قومًا من أهل الكتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّدًا رسول الله، فإن هم طاعوا لك بذلك…الخ " شاهدنا من هذا أنه يبدأ بالعقيدة، وبتحبيب الدين إلى المسلمين؛ فالشخص إذا أحب الدين وأحب الله ورسوله مستعد أن يتنازل عن كل شيء يخالف دين الله ، بل ربما يكون بعد أيام أغير منك وأنفع منك للإسلام.
----------------
راجع كتاب : ( مقتل جميل الرحمن ص 12 - 16 )