قواعد طلب العلم ، والعلم النافع : البدء بكتاب الله حفظاً ، فإن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يقول : " الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة ، والذي يقرؤه ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران " متفق عليه من حديث عائشة .
ويقول النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - : " يقال لصاحب القرآن : اقرأ وارتق ورتل ، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها " أخرجة الترمذي من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص .
ورب العزة يقول في كتابه الكريم : " إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم " ، ويقول : " وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً " .
فعلى الطالب أن يبدأ بحفظ القرآن ، وإن كنت مكلفاً فتبدأ مع حفظ القرآن بما أوجب الله عليك .
فمسألة العقيدة مثلاً تدرس منها كتاباً مختصراً ، ولو ( العقيدة الواسطية ) لشيخ الإسلام ابن تيمية ، و ( تطهير الاعتقاد ) للصنعاني ، وهما ميسران بحمد الله .
ثم تدرس ما أوجب الله عليك وهو المعني بقول النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - : " طلب العلم فريضة على كل مسلم " ، فإذا أردت أن تصلي تعرف كيف صلى رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ، فهو القائل : " صلوا كما رأيتموني أصلي " ، وإذا أردت أن تحج تعرف كيف حج رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - فهو القائل : " لتأخذوا عني مناسككم " ، وهكذا الزكارة والمعاملات الأخرى إذا كنت تبيع وتشتري لا بد أن تعرف أحكام البيع والشراء .
وعلم الكتاب والسنة ميسر ، رب العزة يقول في كتابه الكريم : " ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مذكر " ، والنبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يقول : " بعثت بالحنيفة السمحة " .
والذي عقد العلم هم الناس ، ولقد أحسن من قال :
لولا التنافس في الدنيا لما وضعت ********** كتب التناظر لا المغني ولا العمد
يحللون بزعم منهم عقداً ********** وبالذي وضعوه زادت العقد
ويقول الشهرستاني مبيناً لحيرته :
لعمري لقد طفت المعاهد كلها ********** وسيرت طرفي بين تلك المعالم
فلم أر إلا واضعاً كف حائر ********** على ذقن أو قارعاً سن نادم
فاطلع الصنعاني على هذين البيتين وعقب عليهما بقوله :
لعلك أهملت الطواف بمعهد الـ ********** رسول ومن والاه من كل عالم
فما حار من يهدي بهدي محمد ********** ولست تراه قارعاً سن نادم
ويقول الرازي بعد أن أضاع عمره في الفلسفة ثم رجع إلى الكتاب والسنة :
نهاية إقدام العقول عقال ********** وغاية سعي العالمين ضلال
وارواحنا في وحشة من جسومنا ********** وغاية دنيانا أذى ووبال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا ********** سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
وأيوب السختياني يقول : من سعادة المرء أن يوفق للسنة من أول أمره ، ولكن الذي قطع شوطاً في التصوف ثم انتقل بعدها إلى الحزبية ثم انتقل بعدها إلى السينما والضياع ، ثم انتقل إلى السنة ، فكم يكون ضاع من عمره ؟
والنبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يقول : " لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع - ومنها - عن عمره فيما أبلاه " ، فالذي يوفق للسنة من أول أمره يمكن أن يكون بإذن الله مرجعاً بعد سنتين أو ثلاث ، أو مؤلفاً أو محققاً ، وما ذلك على الله بعزيز ، وينبغي أن تجعل الدنيا تابعة لطلب العلم ، فلا تجعل العلم تابعاً للدنيا ، ولن يضيعك الله .
سؤال : قلت : إن الأخوة الذين تركوا العلم صاروا ضائعين فمن تعني بهم أهم الطلاب الذين كانوا هنا أم غيرهم ؟
جواب : بعض الطلاب الذين كانوا هنا شغلوا بالدنيا ، ثم بعض أصحاب جمعية الحكمة فقد شغلوا بالمطاردة من هذا المسجد إلى هذا المسجد : " وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيراً وأعظم أجراً " ، ولو جلس في مسجده يُعلم لانتفع به المسلمون ، فالمسلمون أحوج مايكون إلى علماء يقدمون لهم الشرع صافياً كما جاء به النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ، فنحن إذا تكلمنا على جمعية الحكمة فالصحيح أن القائمين عليها من أحسن الناس ، ولكن مع هذا فهم على بدعة الحزبية ، وهم على الضياع ، فقد ضيعوا أنفسهم بعد هذه الهرولة من هنا إلى هنا .
وأما جمعية الإصلاح ففي الحضيض ، وهكذا جمعية الإحسان ، فنحن لا نريد جمعيات تدعونا إلى الحزبية ، ولا نريد شبابنا الذين نؤمل أن ينفع الله بهم الإسلام والمسلمين أن يضيعوا بعد هذه الجمعيات ، وبعد هذه الحزبيات ، بل نريد أن نتعاون مع إخواننا في دعوة إلى كتاب الله ، وإلى رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - .
والخلافات الموجودة سربتها الحزبية إلينا ، والموجودة في أرض الحرمين ونجد ، وهذا ناشئ عن فراغ ، فالذي يهتم بحفظ القرآن ومعرفة السنة من سقيمها ومعلولها من سليمها ، ويأخذ من اللغة العربية ما يستقيم به لسانه ، فلا يوجد عنده وقت أن يحمل إلينا حزبية من جدة أو من القصيم ، فعندنا ما يكفينا وزيادة والله المستعان .
------------------------
راجع كتاب غارة الأشرطة ( 2 / 373 إلى 375 ) .