الذي يقول : إنها لم يحتج إليها في زمن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أو ما يحتاج إليها في زمن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ، لو كانت مشروعة لكانت صالحة ، فالنبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أمر أسامة بن زيد ، ودخل في نفوس كثير من الصحابة ، فقال النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - : " إنكم تطعنون في إمارته وإنه لخليق بالإمارة ، وقد طعنتم في إمارة أبيه وإنه لخليق بالإمارة " فما قال النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - : إذا كنتم لا ترضون هذا نقيم الانتخابات .
وهكذا في غير ما قضية ، مثل ما حصل في عام الحديبية قال سهل بن حنيف : أيها الناس اتهموا رأيكم ولقد كنا في زمن الحديبية ولو أستطيع أن أرد على رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - رأيه لفعلت ، فما قالوا : يا رسول الله الآن انتخابات ، فأنت تقول : إن من رجع منا إلى الكفار فلا يرد إلينا ، ومن رجع منهم رد إليهم ، نصوت على هذا الأمر ، بل عارض عمر وغير واحد وقال أبو بكر لعمر : إنه رسول الله ولا يعصيه ، وقال لعمر : الزم بغرزه - أي غرز النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ، وقبله النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قال : " إني رسول الله ولست أعصيه " ، فالمسألة مسألة انقياد واستسلام ليست مسألة آراء .
وهكذا أيضاً مسألة الأسرى ، فقد أخذ النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - برأي أبي بكر في أنه يؤخذ الفداء ، وكان رأي عمر أن يقتل الأسرى في يوم بدر ، قال : فجئت فوجدته وأبابكر يبكيان فقلت : مالكما ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - : " عرض علي عذاب أصحابك " ثم أنزل الله سبحانه وتعالى : " ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض " ، فما قالوا : يا رسول الله ندعو المجاهدين وأهل المدينة ويصوتون ، هل نأخذ الفداء أم نقتل الأسرى .
فلو أراد شخص أن يجمع من هذه القضايا التي تحدث ، فأبو بكر يرى رق بني حنيفة الذين قاتلهم في زمنه ، وعمر لا يرى ذلك ، فما قالوا : ندعو الناس ونصوت ، ومن كثرت أصواته اتبعناه ، لكن الإمام يجزم بما يرى أنه الحق .
وذكر لنا التاريخ الإسلامي كثرة من هذه القضايا التي تحدث ، ويعجبني كلام على الطنطاوي وإن كان على الطنطاوي نفسه لا يعجبني فقد قال : لو قرر الطبيب المختص عملية واجتمع الفراشون والخدم في المستشفى وقالوا : نحن قررنا ألا عملية تصويت يا دكتور على ألا عملية ، فالدكتور يمضي في عمله ولا يبالي بهم ، فهذه التصويتات ألعوبة وكلام فارغ .