ما مدى حجية الإجماع ؟

الزيارات:
8857 زائراً .
تاريخ إضافته:
29 شعبان 1433هـ
نص السؤال:
ما مدى حجية الإجماع ؟
نص الإجابة:
الحمدلله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

أما بعد : فمسألة حجية الإجماع مسألة مختلف فيها من زمن قديم ، فجمهور أهل العلم يرون أنه حجة ، ومن أهل العلم من يقول إنه ليس بحجة .
أما القائلون بأنه حجة ؛ فإنهم يستدلون بقول الله عز وجل : " وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا " [النساء : 115] .
ويحتجون أيضا بما رواه البخاري ومسلم في < صحيحيهما > عن معاوية رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ ولا من خذلهم حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ على ذلِكَ " .
ويستدلون بحديث " يد الله مع الجماعة " .
هذه بعض الأدلة التي استحضرها على حجية الإجماع عند من يقول بحجيته.

أما القائلون بأنه ليس بحجة ؛ فإنهم يستدلون بقول الله عز وجل : " فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ " [ النساء : 59 ] .
وبقول الله عزو جل :" وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ " [الشورى : 10]
وبقول الله عز وجل: " اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ " [الأعراف : 3] .
وبقوله تعالى: " وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " [الأنعام : 153] .
قال الشوكاني رحمه الله تعالى في < تفسيره > عند هذه الاية : أعني قوله تعالى : " وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا " [النساء : 115]
يقول: إن مشاققة الرسول كافية في هذا الوعيد ، أما العالم الذي يجتهد وهو لا يريد أن يخالف المؤمنين فإنها لا تتناوله . وذكر نحو هذا في كتابه < إرشاد الفحول > .
أما الحديث الذي هو " لا تجتمع هذه الأمة على ضلالة " وهو أيضا لم نذكره قبل هذا الحديث استدل به القائلون بحجية الإجماع ، يقول الصنعاني رحمه الله تعالى : إن الضلالة غير الخطأ ، فليس فيه نفي الخطأ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: " كل ضلالة في النار " ، أما الخطأ ؛ فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول : " إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران ، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر " .
وفي الصحيح من حديث عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه ، وهكذا أيضا في < صحيح مسلم > من حديث بريدة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : " وإذا استنزلت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله ولكن أنزلهم على حكمك فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا " .
فهذه بعض الأدلة ، وأنت إذا نظرت إلى أدلة القائلين بحجية الإجماع ، تجد أنه ليس فيها دليل ملزم ، ليس فيها دليل ملزم بأن الإجماع حجة كالكتاب والسنة ، كما يقولون : كتاب وسنة وإجماع وقياس . والصحيح : كتاب وسنة فقط ، وأما الإجماع فيستأنس به ، وليس ملزما ، وهكذا القياس يجوز للعالم البصير أن يقيس ، وليس ملزما .
النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: " وإنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اختِلافاً كَثيراً، فَعَليْكُمْ بسُنَّتِي وسُنَّةِ الخُلَفاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيِيِّنَ عَضُّوا عَلَيْهَا بالنَّواجِذِ " .
فهذا دليل على أنه يُرجع عند الاختلاف إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
ثم إن الإجماع عندهم ينقسم إلى قسمين : صريح وسكوتي ، فالإجماع الصريح هو أن يُجمع مجتهدو أمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم في عصر من العصور على أمر ، وكل العلماء يقولون : هذا حق أو هذا صواب أو هذا خطأ ، ويجمعون على هذا الأمر ، وهذا لا يتيسر ، حتى إن الإمام أحمد رحمه الله تعالى يقول : من ادعى الاجماع بعد الصحابة فقد كذب ما يدريه لعلهم اختلفوا.
وهكذا أيضا الإجماع السكوتي ، فالإجماع السكوتي قد يسكت الشخص في أمر وهو لا يرى ما يرون ، إلى غير ذلك ، كما ذكر لهذا أمثلة أبو محمد بن حزم ويقول أبو محمد بن حزم رحمه الله تعالى في كتابه < إحكام الأحكام > : قد اجمعنا على العمل بالكتاب والسنة ، يعني معناه العمل بالكتاب والسنة ، ثم إنهم يقولون : إن الاجماع لا بد له من مستند ، فنقول : إن صح المستند فهو الحجة ، وإن لم يصح المستند فليس بحجة ، وليس الإجماع بحجة ، هذا الذي نعتقده وندين الله به ، وإن كان بعضهم يقول : إنه لم يخالف في الإجماع إلا إبراهيم النظام ، لكن إخواني في الله المعتبر بالدليل وليس المعتبر بفلان وفلان والله المستعان.

----------------
من شريط : ( أسئلة من الكويت )

تصنيف الفتاوى

تفريع التصنيف | ضم التصنيف