يعامل كما كان النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يعامل من دخل في الإسلام ، كما عامل ثمامة بن أثال الذي كان أسيراً للمسلمين ، وكان النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يمر به ويقول : " ما عندك يا ثمامة ؟ " ، فيقول ثمامة : إن تقتل تقتل ذا دم ، وإن تنعم تنعم على شاكر ، فمر به اليوم الثاني وقال : " ما عندك يا ثمامة ؟ " ، قال ثمامة : إن تقتل تقتل ذا دم ، وإن تنعم تنعم على شاكر ، وفي اليوم الثالث مر به وقال : " ما عندك يا ثمامة ؟ " ، فيقول ثمامة : إن تقتل تقتل ذا دم ، وإن تنعم تنعم على شاكر ، فأطلقه النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وذهب واغتسل وشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، وقال : يا رسول الله والله إنك كنت أبغض الناس إليّ ولأنت الآن أحب الناس إليّ ، وإني كنت متوجهاً إلى العمرة ، فأريد أن أتوجه إلى العمرة ، فأذن له النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - .
ويأتي الأعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ويمسك بحافة رداءه حتى يؤثر في عنقه ويقول : يا محمد اعطني فإنك لا تعطي من مالك ولا من مال أبيك ، فيضحك النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ويعطيه .
ورب العزة يقول في كتابه الكريم : " وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ " [ القلم : 4 ] ، ويقول : " فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ " [ آل عمران : 159 ] ، ويقول : " لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ " التوبة : 128 ] ، لاحظ قوله تعالى : " عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ " أي يشق عليه عنتكم ومشقتكم ، وقوله أيضاً : " بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ " .
والنبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يقول : " أثقل ما يوضع في الميزان حسن الخلق " ، ويقول : " إن أقربكم إلي مجلساً أحاسنكم أخلاقاً " أو بهذا المعنى .
فالمهم حسن الخلق ، وحسن المعاملة الطيبة ربما تكون أبلغ وأبلغ من ألف موعظة ، فأناسٌ من الحضرميين نزلوا إلى أندنوسيا وهم تجار أي الحضرميين تجار ، فرأهم الأندنوسيين وأعجبوا بحسن معاملتهم ، وبعد هذا أسلم كثيرٌ من أهل أندنوسيا بسبب المعاملة الحسنة ، لا كذب ، ولا خلف وعد ، وهكذا أيضاً التخلق بأخلاق النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - " ليس المؤمن بالطعان ، ولا اللعان ، ولا الفاحش البذئ " .
أمر آخر أن مسألة نزع خصال الجاهلية متعب متعب جداً ، ما يذعن إلا من وفقه الله ، وإلا فالنبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يقول لأبي ذر : " إنك أمرؤٌ فيك جاهلية " ، ويقول أيضاً : " أربع في أمتي من أمور الجاهلية لا يتركونهن : الفخر بالأحساب ، والطعن بالأنساب ، والاستسقاء بالنجوم ، والنياحة على الميت " .
ثم بعد ذلك أيضاً الحرص على تعليمهم كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ، وهكذا ينصحون ألا ينظروا إلى المجتمع المسلم ، فلينظروا إلى الإسلام لا إلى المسلمين ، والإسلام موجود في كتاب ربنا ، وفي سنة نبينا محمد - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ، أما حالة المسلمين فسيئة : كذبٌ ، وخيانة ، والإسلام برئٌ من هذا " إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ " [ النحل : 90 ] ، " إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ " [ النساء : 58 ] .
وهكذا النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يقول : " آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا أئتمن خان " .
ثم تحرصون على أن يجالسوا الجلساء الصالحين ، وبعض الناس ما تزال فيه النعرة الجاهلية ، فكان هناك مدرس يدرس في الجامعة الإسلامية يتكلم في أمريكا وفي خداعها وقام طالبٌ أمريكي يجادل ويدافع ، فقال له الشيخ : يا بني أنت منا الآن مسلم ، ونحن ما عنيناك ولا عنينا كذا وكذا ، فالله عز وجل يقول في كتابه الكريم : " وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ ۚ " [ النساء : 107 ] ، لا يجوز لأحد أن يجادل عن مبطل ، كما أنه لا يجوز لأحد أن يتولى كافراً " لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ " [ آل عمران : 28 ] ، ويقول سبحانه وتعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ " [ المائدة : 51 ] .
ثم إن استطعت أن تنقله من مجتمع أحسن من مجتمعه ، وأحسن من مجتمعك فعلت ، فلعله يتأثر بذلك المجتمع الصالح ، وتكرر عليه وتنصح ألا ينظر إلى أحوال المسلمين ، ولكن لينظر إلى الإسلام ، ويقرأ الإسلام ، والله المستعان .
ويعجبني ما بلغني عن شخصٍ أسلم فرأى أحوال المسلمين سيئة من كذب ، من سرقة ، وخيانة ، وغش ، وتبرح وسفور ، وعدم التزام بالدين ، ثم قال ذلكم الرجل الذي أسلم قال : قد أقتنعت أن الإسلام حق ، ووالله لو ترك الإسلام الناس كلهم ما ارتددت عن ديني ، نعم ولا بد ما يقتنع إلا بالكتاب والسنة والله المستعان .