أخ فرنسي يعيش مع أمه وأخيه وهو الوحيد الذي أسلم من عائلته أبوه نصراني توفي على نصرانيته وأمه يهودية وأخوه كافر لكن أخاه ينوي أن يغادر البيت فهل لهذا الولد المسلم أن يهاجر ويترك بلاد الكفر فرارا ًبدينه ويترك أمه وحيدة؟
الحمد لله، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن والاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد: فالسؤال عن أخ أسلم بين أسرة كافرة، فأبوه نصراني مات على نصرانيته، وأمه يهودية وأخوه كافر فكيف تكون معاملته لأمه؟
المعاملة تكون في حدود الكتاب والسنة، كما قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم في شأن الأبوين المشركين : " وصاحبهما في الدنيا معروفا " ، ويقول في كتابه الكريم : " لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم " ، ويقول : " ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون " .
فيجب عليه أن يعامل أمه بالإحسان ما دام عندها، ودينه لا يتنازل عن شيء منه، ويبغضها لأنها كافرة، لو أبت نفسه إلا أن يحبها، وكان حبا طبيعيا فإن شاء الله لا شيء عليه؛ فالنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عند أن دعا أبا طالب إلى الإسلام، وأبى أبوطالب أن يسلم قال الله سبحانه وتعالى: " إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء " ، شاهدنا من الآية على أحد الوجهين والتأويلين : أي من أحببته، فهذا وجه، والوجه الآخر: لا تهدي من أحببت هدايته، وهو قريب لأنه ما أحب هدايته أكثر من غيره إلا بسبب قربه منه، كما قال المقداد بن الأسود -رضي الله عنه-: إن أحدنا كان يسلم ويرى أباه كافرا أو أمه كافرة أو قريبه فلا يطيب له العيش، إذ يموت هذا الشخص على الكفر ويدخل النار.
والله عز وجل يقول لنبيه محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- : " وأنذر عشيرتك الأقربين ".
والنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- صعد الصفا وقال : " يا معشر قريش، يا بني عبد مناف يا بني هاشم، ودعا بطون قريش وأنذرهم " .
فعلى هذا الأخ أن يخلص النصح لهم، ولكن الهداية الحقيقة التي يدخلها الله في القلوب هي إلى الله، والله عز وجل يقول : " ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء "، والله يقول في حق نبيه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: " وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم " أي: تدل على الصراط المستقيم، وأما الهداية التي يجعلها الله في القلب فإنها إلى الله عز وجل.
أما هل له أن يترك أمه وبلاد الكفر ويخرج فرارا بدينه، فإذا خشي على نفسه الفتنة فله أن يعرض الإسلام على أمه فإن أسلمت وإلا فلا بأس، بل يجب عليه أن يهاجر كما يقول الله عز وجل في كتابه الكريم: " إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا " ، ويقول سبحانه وتعالى : " قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين " .
------------------
راجع كتاب ( تحفة المجيب على أسئلة الحاضر والغريب ص 261 - 263 )