العذر بالجهل وهي مشكلة مصر الأولى بين الأخوة العذر بالجهل وعدم العذر حتى يصل الأمر بإخواننا إلى درجة الضرب أو الإهانة أو يبدعون بعضاً أو يفسقون بعضاً فما الحكم في هذه القضية وما يطلق على المخالف ؟
قد اختلف أهل السنة أنفسهم في هذه القضية في شأن العذر بالجهل في التوحيد ، والذي يظهر أنه يعذر بالجهل لقوله عز وجل : " وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا " ، ولقول الله عز وجل حاكياً عن الحواريين حيث قالوا : " هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنـَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ " ، فما قال لهم عيسى : إنكم قد كفرتم ، ولكن قال : " قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ " ، وكقوله تعالى في شأن أصحاب موسى : " اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ " .
وفي الصحيح - وهو مروي من حديث جماعة من الصحابة - : " أن رجلاً قال لبنيه : أي اب كنت لكم ؟ قالوا : نعم الأب ، قال : فإذا مت فاحرقوني ثم ذروني فوالله لئن قدر الله عليَّ ليعذبني عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين ، فلما مات فعلوا ما أوصاهم به ، ثم أمر الله البحر أن يجمع ما فيه ، والبر أن يجمع ما فيه ، وأحياه الله فقال له : ما حملك على ما صنعت ؟ قال : مخافتك يارب ، قال : فإني قد غفرت لك " ، وهذا رجل يشك في قدرة الله ، كما أن الحواريين شكوا في قدرة الله .
فهذه الأدلة تدل على أنه يعذر بالجهل ، والذين لا يقولون بالعذر بالجهل ليس لهم أدلة ناهضة ، ثم بعد هذا حديث أبي هريرة والأسود بن سريع كما في < مسند الإمام أحمد > أن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قال : " أربعة يختبرون يوم القيامة : الأبلة والأصم وصاحب الفترة - ولا استحضر الرابع - فيقال لهم في عرصات القيامة - ويخرج لهم عنق من النار - اقتحموه ، فمن اقتحمه منهم كان برداً عليه وسلاماً ، ومن لم يقتحمه فيقول الله له : أنتم الآن عصيتموني فأنتم لرسلي أشد عصياناً " .
وأنصح بقراءة ماكتبه الشيخ الشنقيطي رحمه الله تعالى في تفسيره عند تفسير قول الله عز وجل : " وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً " ، أو عند قوله تعالى : " وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ " .
فبما أن المسألة خلافية بين أهل السنة فالمخالف لا يحكم عليه ، لكن الراجح أنه يعذر بالجهل .