الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعد :
فالعلماء والصحابة قبلهم يخطئون ، وقد ذكر شيئاً من هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في كتابه ( رفع الملام عن الأئمة الأعلام ) ، وذكر خطأ أو أخطاء لأبي بكر ثم لعمر ثم لعثمان ثم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين .وذكرها يطول فنحيل على الكتاب ، وأبو بكر وعمر كما في ( صحيح البخاري ) اختصما في شأن وفد بني تميم ، فقال أبو بكر : يا رسول الله ! أمر فلاناً ، وقال عمر : يا رسول الله ! أمر فلاناً لرجل آخر ، فقال أبو بكر لعمر : ما أردت إلا خلافي ، قال عمر : ما أردت خلافك ، فارتفعت أصواتهما ، فأنزل الله سبحانه وتعالى : " يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم * يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون " .
بعد هذا التأديب والعتاب من الله سبحانه وتعالى لأبي بكر وعمر ، وهكذا قوله تعالى : " اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكرون " ، لكن إذا كان الخطأ ليس في جانب العقيدة ، والعالم له حسنات فإن الخطأ يغمر في جانب الحسنات :
من الذي ما ساء قط ومن له الحسنى فقط
فالعلماء رحمهم الله كما في ( المحلى ) لأبي محمد بن حزم ، وفي كتابه ( إحكام الأحكام ) ، وفي ( نيل الأوطار ) للشوكاني يخطئون ، لكنها تغتفر بجانب ما لهم من الفضل ، ويغمر فيما له من الفضل .
أما الخطأ في العقيدة أو في الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - فإن العلماء يصيحون به ، يحذرون منه غاية التحذير .
أما مسألة النصح للمخطئ فهذا أمر مهم ، ففي ( الصحيحين ) عن جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه قال : بايعت رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - على السمع والطاعة ، وإقام الصلاة ، وإتاء الزكاة ، والنصح لكل مسلم .
وفي ( صحيح مسلم ) عن تميم الداري رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أنه قال : " الدين النصيحة " ، بل يحكي الله عن بعض أنبيائه : " وأنصح لكم " .
فمسألة النصح لا يزال العلماء يتناصحون فيما بينهم من الأخطاء ، وتبيين الخطأ مع ما للعالم من فضل ، إذا احتيج إلى ذلك فهذا لا بأس به والله المستعان .