الحمد لله، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن والاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. أما بعد:
فإن الله عز وجل يقول في كتابه الكريم: ﴿ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون﴾.
وثبت عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أنه قال: «أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر». والعندية لا تقتضي السرية وأن يكون مع السلطان وحده.
وأما حديث: أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «من كانت لديه نصيحة لذي سلطان فلينصحه سرا». فهذا الحديث أصله في «صحيح مسلم» ولم تذكر هذه الزيادة ولفظ الحديث: «إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا» ولم تذكر هذه الزيادة، فلا بد من نظر في هذه الزيادة، فإذا كانت الذي رواها مماثلا لمن لم يزدها فهي زيادة مقبولة، أو من رواها أرجح ممن لم يزدها فهي زيادة مقبولة، أما إذا كانت زيادة مرجوحة فحينئذ تعتبر شاذة، وهذه اللفظة تعتبر شاذة.
وفرق بين أن تقوم وتنكر على المنبر أعمال الحاكم المخالفة للكتاب والسنة، وبين أن تستثير الناس على الخروج عليه، فالاستثارة لا تجوز إلا أن نرى كفرا بواحا، كما في حديث عبادة بن الصامت: بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان، وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم.
والنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يأمر أبا ذر أن يقول الحق ولو كان مرا. رواه أحمد في «مسنده». كما أمره أن يسمع ويطيع وإن تأمر عليه عبد حبشي، فجمع بين الأمرين أبوذر، فيسمع ويطيع لعثمان -رضي الله عنه-.
فإذا رأينا كفرا بواحا فهل يجب الخروج أم لا؟ يجب النظر في أحوال المسلمين هل لديهم القدرة على مواجهة الكفر البواح أم أنهم سيقدمون أنفسهم أضحية؟ وهل عندهم استغناء ذاتي أم سيمدون أيديهم لأمريكا وغيرها من الحكومات تتركهم حتى تسفك دماؤهم ثم ينصبون لهم علمانيا بدل العلماني الأول أو شيوعيا بدل العلماني أو نصرانيا بدلا عن المسلم، فلا بد أن يكون هناك استغناء ذاتي.
ثم بعد ذلك هل أعدوا ما تحتاج إليه الحرب من قوات، ولا يشترط أن تكون مماثلة لقوات العدو فإن الله عز وجل يقول في كتابه الكريم: ﴿وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم﴾.
وهل أعدوا ما تحتاج إليه الحرب من أطباء ومستشفيات أم ربما يتركون الشخص ينتهي دمه من الجرح، وكذلك ما تحتاج إليه الحرب من تغذية، فالناس ليسوا مستعدين أن يصبروا كما صبر صحابة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- على الاستضعاف وعلى الخروج من الأوطان، وعلى المرض وعلى الفقر عند أن خرج الصحابة وهاجروا إلى المدينة، فالناس الآن محتاجون إلى أن يدربوا أنفسهم على ما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم.
فعلم الفرق بين أن يقول الشخص كلمة الحق، وبين أن يستثير الناس على الخروج على الحاكم والحق أن الحكام هم الذين لوثوا أنفسهم:
من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام
يقول الله عز وجل: ﴿ومن يهن الله فما له من مكرم﴾.
ويقول الشاعر:
ومن دعا الناس إلى ذمه ذموه بالحق وبالباطل
فننصح الحكام أن يرجعوا إلى الله سبحانه وتعالى، وأن يصدقوا مع شعوبهم، وأنا أكره أن أختلف أنا وبعض أصحابي من أجل الحاكم، ولسنا عنده إلا مثل الذباب فليس لنا عنده قيمة.
ونصيحتي للشباب الكويتي أن يشغلوا أنفسهم بالعلم النافع، وبالدعوة إلى الله، وأن يتركوا هذه الوساوس، وهذه الأفكار الخاطئة، فما نصر الإسلام بالثورات والانقلابات.
-----------
راجع كتاب : " تحفة المجيب 163 - إلى 166 "