أما إنكار العلم فإن صاحبه يكفر ، لأنه يعد مكذباً بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية ، وكان عمر بن عبدالعزيز يقول لأصحابه : ناظروهم بالعلم فإن دفعوا العلم كفروا ، وإن اعترفوا بالعلم لزمهم أن يعترفوا بالقدر .
أما الكتابة إذا ردها يعتبر كافراً ، أو قال : أنا أقول بها لكنني أوولها فهو مبتدع ، والمشيئة كذلك : " وما تشاءون إلا أن يشاء الله " ، فمن ردها فهو يعتبر مكذباً للآيات القرآنية ، لكن من تأولها فلا يكفر .
أما إقامة الحجة ، فإقامة البرهان على ذلك ، فإذا لم تقم عليه الحجة فهو يعتبر جاهلاً ، ورب العزة يقول في كتابه الكريم : " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ً " ، ويقول : " وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم حتى يبين لهم مايتقون " ، وفي ( الصحيحين ) " أن رجلاً حضرته الوفاة فقال لبنيه : أي أب كنت لكم ؟ قالوا نعم الأب ، قال : فهل أنتم فاعلون ما أوصيكم به ؟ قالوا : نعم ، قال : فإذا مت فأحرقوني ثم ذروني ، ففعلوا ما أمرهم به ، فأمر الله سبحانه وتعالى البحر أن يجمع ما فيه ، والبر أن يجمع ما فيه ، فقال له : ما حملك على ما صنعت ؟ قال : مخافتك يا رب ، قال : فإني قد غفرت لك " ، وكان من جملة ما قال :" فو الله لئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً شديداً لا يعذبه أحداً من العالمين " .
و ( قدر ) ههنا لا تفسر بضيق ، كما في قوله تعالى : " فظن أن لن نقدر عليه " ، وفي ذي النون ، لكن النفسير ههنا في قوله : " لئن قدر الله علي " لئن ضيق الله علي ، مستبعد بل هو من القدرة كما يدل عليه السياق .
وهكذا قول الحواريين لعيسى : " هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء " ، فهم يشكون في قدرة الله ، فلو شك أحدنا في قدرة الله لكفر .
وقول عيسى : " اتقوا الله إن كنتم مؤمنين " فلم يقل لهم : قد كفرتم ، وهكذا أصحاب موسى حيث قالوا : " اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون " فلم يقل لهم : إنكم قد كفرتم ، وكذلك حديث حذيفة الذي فيه : أنه يأتي زمان لا يدري الناس ما صيام ولا صلاة ولا زكاة ، أو بهذا المعنى ، ولم يبق معهم إلا : لا إله إلا الله ، فقال صلة لحذيفة : وما تغني عنهم لا إله إلا الله ؟ قال : تنقذهم من النار .
والأدلة متكاثرة في العذر من الجهل ، وأحسن من ساقها الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في ( تفسيره ) ‘ند قول الله عز وجل : " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً " ، أو ذكرها عند قول الله عز وجل : " وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون " ، فلينظر .