الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله واصحابه أجمعين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أما بعد :
فالصحيح الذي يقتضه الدليل أنه في الأذان الأول ؛ لما جاء في السنن من حديث أبي محذورة وذكر فيه أنه في الأذان الأول ، وما جاء أيضاً < سنن البيهقي > عن عبدالله بن عمر من قوله أنه في الأذان الأول ، وسنده إلى عبدالله بن عمر حسن .
وأما ما قيل أنه في الأذان الثاني مستدلين بما جاء عن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أنه قال : " بين كل أذانين صلاة " قالوا : فسمى الإقامة أذاناً فهذا من باب التغليب .
والأمر سهلٌ في هذا ، الأخ أسامة بن عبداللطيف القوصي يرى في كتابه القيم كتاب < الأذان > أنه في الأذان الثاني ، وذكر أدله ما أراها تدل على ما يريد ، وإن كنت قد قدمت في الكتاب وتركت له رأيه من باب أنه لا ينبغي لنا أن نتحجر أفهام إخواننا وأن ندعوهم إلى تقليدنا .
وأما قول من قال - وهم الحنفية - : أن الأذان الثاني لم يكن إلا في رمضان ؛ فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في < فتح الباري > : فيه نظر ، أي في قولهم نظر ، واستدلوا بأن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قال في أذان بلال : " ليرجع قائمكم ويوقظ نائمكم " أو بهذا المعنى ، والسياق يكون في رمضان وفي غير رمضان .
فالذي يظهر أنه للفجر يؤذن أذانان في رمضان وفي غير رمضان خلافاً للحنفية ، وقد سمعتم أن الحافظ يكون في < فتح الباري > : فيه نظر ، والأمر سهلٌ في هذا ، أعني فسواء أجُعل في الأذان الأول أم في الأذان الثاني .
وأصح ما ورد ما رواه ابن خزيمة أن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أمر أن يقال في أذان الفجر : " الصلاة خيرٌ من النوم " ، هذا الحديث مطلق كما قاله صاحب < سبل السلام > لكنه مقيد بحديث أبي محذورة ، وبما جاء عن عبدالله بن عمر أنه في الأذان الأول .
وهذه المسألة لا توجب النكير على من عمل بهذا ، أو عمل بهذا ، وما هو إلا التعصب واتباع الإلف والعادة . والله المستعان .