الآية التي هي : " " أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّىٰ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ " [ التكاثر : 1 - 2 ] فيها تفسيران ، وهي محتملة للتفسيرين .
الأول : أنهم كانوا قبل بعثة النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - إذا تفاخروا ذهبوا إلى المقبرة وقالوا : منا فلان ومنا فلان ومنا فلان ، أي من أشرافهم الذين ماتوا .
والثاني : " حَتَّىٰ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ " [ التكاثر : 2 ] أي متم بقيتم في تفاخر وتتلاهون بالتكاثر حتى متم .
والتفسيران قريبان من هذا ، ليس لدي الآن مرجح لأحد التفسيرين ، الأمر سهل في هذا .
أما زيارة القبور ؛ فمشروعة ، نبينا محمد - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يقول : " كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تزهد في الدنيا وتذكركم الآخرة " .
وعلم النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - عائشة أن تقول إذا ذهبت إلى المقابر : " السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، أنتم سلفنا ونحن بالاثر ، نسأل الله لنا ولكم العافية " ، وفي رواية لغير عائشة : " أنتم السابقون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين " أو بهذا المعنى .
فزيارة القبور مشروعة سواء أكان القبر قبر مسلم أم قبر مشرك أم قبر يهودي لأنها تحصل العبرة بأي قبر .
لكن الزيارة ينبغي أن يُعلم عن ماذا ينهى عنه أهل السنة ؟ ، ينهون عن التمسح بأتربة الموتى ، ينهون أن يدعى الميت إذا زرته ، أنت تزور الميت من أجل أن تنفعه بإذن الله بالدعاء ما تزور الميت من أجل أنك تدعوه : يا هادياه ، يا رسول الله ، يا ابن علوان ، يا ستي زينب ، يا عبدالقادر الجيلاني ، تزوره من أجل أن يستفيد هو من دعائك له بالرحمة والمغفرة أن الله يرحمه ويغفر له وتُثاب إن شاء الله على الدعاء له .
أما دعاء الأموات فهو يعتبر شركاً ؛ قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم : " وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ " [ الأحقاف : 5 - 6 ] .
وقال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم : " لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ ۖ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ ۚ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ " [ الرعد : 14 ] .
فالذي يذهب ويقول : يا هادياه ، يا ابن علوان ، يا رسول الله افعل لي كذا وكذا ، مثل الذي هو جالس على البئر والماء أسفل ويمد يديه تعال يا ماء ، أيصعد إليك الماء بدون حبل ؟! ، أيصعد إليك الماء بدون آلة تطلعه ؟! ، ما يأتي ، فهكذا الذي يدعو الهادي أو يدعو غيره من الأموات هذا ما يستجاب له : " وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ * إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ۚ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ " [ فاطر : 13 - 14 ] .
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ۖ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ۚ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ " [ الحج : 73 ] .
فأنت تزور القبر زيارة شرعية ، تزهدك في الدنيا ، وتذكرك الآخرة ، وتدعو للميت بالرحمة والمغفرة إذا كان مسلماً ، أما إذا كان غير مسلم فمجرد الاعتبار والتذكر ، وإذا زرت قبر مشرك كثل قبر لينين وماركس وغيرهم من أئمة الكفر والإلحاد لا يجوز لك أن تقدم لهم الورود والرياحين ، وأن تدلي رأسك وتخضع لذلك القبر ، هذا لا يجوز ، وهذا حرام .
فأهل السنة لا ينهون عن زيارة القبور بل يُرغبون فيها ، ويدعون إليها ويحببونها ، لكن ينهون عن الشرك ، والبدع ، ينبغي أن يُفهم هذا .