أما عبدالرزاق الصنعاني -رحمه الله- فقد دخل عليه شيء من التشيع، وقد قيل له: من أين لك هذا؟ مع أن أستاذيك أصحاب سنة؟ فقال: أتى إلينا جعفر بن سليمان الضبعي، وكان ذا هدي وسمت حسن فتأثرنا به فدخل علينا شيء من التشيع، ولم يبلغ به الحال إلى أن يتنقص الأئمة والخلفاء الراشدين والصحابة، بل هو سني من أهل السنة.
وقد جاء في ترجمة عبدالرزاق أنه قال في كلام عمر أنه قال: لفاطمة: جئت تطلبين ميراثك من أبيك وقال للعباس: جئت تطلب ميراثك من ولد أخيك. فقال عبدالرزاق: أنظروا إلى هذا الأحمق لم يقل: جئت تطلبين ميراثك من رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
فينظر هل ثبت عن عبدالرزاق أم لم يثبت، فإن ثبت فهو يعتبر خطأ لا يجوز أن يتبع عليه، وقد قال الإمام الذهبي: أن عمر تكلم بهذا الكلام بناء على قسمة الفرائض أن شخصا مات عن ابنة وعن عم، فما لكل واحد منهما؟ ولم يقصد أن يتنقص رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بأنه ليس نبيا ولا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
وأما الحاكم فقد جاء عنه بعض الانزواء وبعض الانحراف عن معاوية -رضي الله عنه-، وقد قال أبوطاهر عن عبدالله بن محمد الهروي أبي إسماعيل أنه قال: إمام في الحديث لكنه رافضي خبيث.
وقال أيضا كما في «العلل المتناهية» لابن الجوزي وقد ذكر حديث الطير أو حديثا غيره وذكر ابن الجوزي ما فيه من الضعف، ثم ساق بسنده إلى أبي طاهر المقدسي وهو محمد بن طاهر عن شيخه قال: لا يخلو الحاكم إما أن يكون جاهلا فهذا لا يؤخذ عنه العلم وإما أن يكون كذابا دساسا، وهذا أيضا لا يؤخذ عنه العلم.
والحق أنه لا يثبت لا ذا ولا ذاك، فالحاكم ليس بجاهل، عرفنا هذا من ترجمته، وعرف العلماء منزلته الرفيعة كما في «سير أعلام النبلاء» وفي «تذكرة الحفاظ» وفي «الإرشاد» للخليلي، فهو إمام متفق على جلالته.
فالحاصل أن بهما شيئا من التشيع لا يخرجهما إلى الرفض كما قال الحافظ الذهبي عند أن ذكر هذا الكلام عن أبي إسماعيل الهروي، قال: إن الله يحب الإنصاف ما الرجل برافضي ولكن به شيء من التشيع.
وقال المعلمي في «التنكيل» عندما ذكر كلام أبي إسماعيل الهروي: إمام في الحديث رافضي خبيث، قال المعلمي: لعل السجعة هي التي حملت قائلها إلى أن يقول ما قال. وما أشبهها بما كتب الصاحب بن عباد إلى قاض (بقم) -وهي بلدة كانت سنية ثم أصبحت رافضية- فكتب الصاحب بن عباد:
أيها القاضي بقم قد عزلناك فقم
فلما وصلت إلى القاضي تذكر ذنوبه ماهو الذي فعله؟ فلم يجد أنه أذنب ولا فعل شيئا، فقال: والله ما عزلتني إلا السجعة.
وأما عكرمة فقد رمي برأي الخوارج وليس بالقدر، فإن الذي رمي بالقدر هو قتادة، وقد دافع عن عكرمة الحافظ ابن حجر وبرأه وذكر في «فتح الباري» في الكلام على سبب نزول قول الله تعالى: ﴿إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا﴾ أنه قيل لعكرمة وقد سأله شخص: أأخرج مع هؤلاء الذين يخرجون؟ أي: للقتال، والقتال بين مسلمين، فقال له عكرمة: لا تخرج، ثم استدل بهذه الآية أي: لا تكثر سواد أهل الباطل ولا تخرج. قال: في هذا دليل على أن عكرمة لا يرى رأي الخوارج.