المذاهب الأربعة ما أنزل الله بها من سلطان ، وما ورد في كتاب الله ولا في سنة رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أن ذاك يكون شافعياً ، وذاك يكون حنبلياً إلى آخر ذلكم ، بل قال الله سبحانه وتعالى : " وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ " [ الشورى : 10 ] .
وقال : " فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ " [ النساء : 59 ] .
وقال سبحانه وتعالى : " اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ " [ الأعراف : 3 ] .
وقال سبحانه وتعالى : " وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " [ الأنعام : 153 ] .
فهذه المذاهب فرقت الناس ، وقد تحدينا غير واحدٍ من المتعصبين لهذه المذاهب أن يأتوا بدليل من كتاب الله أو من سنة رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يدل على أن المسلم ملزم بالتعبد بمذهب من هذه المذاهب ؛ بل جاء القرآن على كراهة هذا فقال سبحانه وتعالى : " إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ " [ الأنعام : 159 ] .
ونبينا محمد - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يقول : " افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة ، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة ، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار " أو بهذا المعنى .
ففي هذا التحذير ، وأهل الكتاب اختلفوا ، فنبينا محمد - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يحذرنا من أن نسلك سبيلهم في الاختلاف فقال : " لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة ، شبراً بشبر ، وذراعاً بذراع ، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه " أو بهذا المعنى ، وهو وارد في الصحيح من حديث أبي هريرة ، ومن حديث أبي سعيد والمعنى متقارب .
فهذه المذاهب فرقت الناس ، وأدخلت بينهم البغضاء والعداوة ، وما تعبدنا الله إلا بكتاب الله وبسنة رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ، وهي مبتدعة ما جاءت في كتاب الله ولا في سنة رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ، وما حدثت هذه البدعة إلا بعد القرون المفضلة ، ولقد أحسن محمد بن إسماعيل الأمير إذ يقول :
وأقبح من كل ابتداعٍ سمعته ****** وأنكاه للقلب المولع للرشد
مذاهب من رام الخلاف لبعضها ***** يعض بأنياب الأساود والأسد
ويعزى إليه كل ما لا يوله ***** لتنقيصه عند التهامي والنجدي
وليس له ذنب سوى أنه غدى ***** يتابع قول الله في الحل والعقدي
لئن عده الجهال ذنباً فحبذا **** به حبذا يوم انفرادي في لحدي
علام جعلتم أيها الناس ديننا ***** لأربعة لا شك في فضلهم عندي
هم علماء الأرض شرقاً ومغرباً ***** ولكن تقليدهم في غد لا يجدي
ولا زعموا حاشاهم أن قولهم ***** دليل فيسهتدي به كل من يهدي
بلى صرحوا أنا نقابل قولهم ***** إذا خالف المنصوص بالقدح والرد
فأصبح التعصب لهذه المذاهب شنيعاً ، تُقدم أقوال أصحاب المذاهب على كتاب الله وعلى سنة رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - حتى قال منذر بن سعيد الأندلسي قال :
عذيــــري من قوم يقولون كلما**** طلبت دليلا هكذا قال مالك
فــــإن زدت قالوا:سحنون مثله**** ومن لم يقل ما قاله فهو آفك
فإن عدت قالوا:هكذا قال أشهب **** وقد كان لا تخفى عليه المسالك
فإن قلت : قال الله ضجوا و أكثروا**** و قالوا جميعا أنت قرن مماحك
فإن قلت قد قال الرسول فقولهم **** أتت مالكاً في ترك ذاك المسالك
فلم يزل العلماء يتوجعون من هذا التقليد الأعمى الذي باعد الناس عن كتاب الله وعن سنة رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ، وحال بين الناس وبين كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ، وقد ألف العلماء المؤلفات القيمة في التحذير من التقليد منها : جزء كبير لابن القيم في كتابه < إعلام الموقعين > ، ومنها كتاب للشوكاني < القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد > .
ولم يزل علماء السنة يحذرون من هذا التقليد الذي حال بين الناس وبين كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - .
والمذهب الشيعي هو مذهب مبتدع كسائر المذاهب الأخرى التي سمعتموها ؛ بل هو أبعد من كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - من تلكم المذاهب ، فالمذهب الشيعي خصوصاً في زمننا هذا يبطل علم السنة ، سنة رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ، ويعتمد على هواه وعلى ما قال يحيى بن الحسين ، وما قال فلان وفلان حتى إن نشوان الحميري يتوجع من هذا ويقول :
إذا جادت بالقرآن خصمي **** أجاب مجادلاً بكلام يحيى
فقلت كلام ربك عنه وحيٌ **** أتجعل قول يحيى عنه وحياً
المذهب الهادوي بعيد من السنة ؛ لكن ما تعبدنا الله بمذهب زيدي ، ولا بمذهب هادوي ، تعبدنا الله بكتاب الله وبسنة رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ، وهذه كما رأيتم أورثت العداوة ، وأورثت البغضاء بين المسلمين ، تأتيه وتقول له : قال رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - فيقول : المذهبُ خلافه .
ورب العزة يقول في كتابه الكريم : " فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا " [ النساء : 65 ] .
ويقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم : " فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ " [ النور : 63 ] .
ويقول سبحانه وتعالى : " وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا " [ الأحزاب : 36 ] .
فكتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يدلان على أن هذه المذاهب لا يجوز الاعتماد عليها : " وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ " [ الحشر : 7 ] .
وإننا نحمد الله سبحانه وتعالى فإن هذه اليقضة الإسلامية أصبحت لا ترفع رأساً إلى هذه المذاهب ، وقد عرف رجال اليقضة الإسلامية أن هذه المذاهب هي التي فرقت المسلمين ، وهي التي جعلتهم شيعاً وأحزاباً ، وهي التي صدتهم عن كتاب الله وعن سنة رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ، وهي التي جعلتهم يتباعدون كل وقت وهم يتباعدون كان الناس مقلدون للأئمة الأربعة ، والائمة الأربعة من أقرب الناس إلى كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ، ثم تنازلوا إلى أتباعهم ، ثم تنازلوا إلى أتباع ، ثم تنازلوا إلى أتباع الأتباع ، ثم تنازلوا إلى متون خالية من كتاب الله ومن سنة رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ، ثم تنازلوا إلى ما هو أدهى وأمر وهو تقليد أعداء الإسلام تقليد اليهود والنصارى والشيوعيين والبعثيين والناصريين ، لأنهم ما رُبطوا بكتاب الله وبسنة رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - من أول أمرهم .
فالذي أنصح به الدعاة إلى الله أن يحرصوا كل الحرص في دعوتهم أن يربطوا الناس بكتاب الله وبسنة رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ، قبل أن تأمره بهدم القبر ، وقبل أن تأمره بترك التعامل في البنوك الربوية ، وقبل أن تأمره بكثير من المنكرات ، احرص كل الحرص أن تربطه بالله عز وجل ، ثم بكتاب الله وبسنة رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ، وهدم القبر المرتفع بعد ذلك سهل سيتركه من نفسه ، البنوك الربوية سيتركها من نفسه ، التبرج والسفور ، آلات اللهو والطرب كل هذه سيزول .
انظروا إخوانكم الآن المتمسكين بالكتاب والسنة كيف يبغضون هذه المناكر ، ونحن كنا مثل أولئك مائعين وضائعين ، لكن من تمسك بالسنة واقتنع بها أصبح يكره هذه المنكرات من قلبه ، ومن نفسه ، فما يدحض هذه البدع التي هذه بدع المذاهب إلا ربط الناس بكتاب الله وبسنة رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - .
وإني أحمد الله سبحانه وتعالى فقد أصبح التشيع مزعزعاً في اليمن من بركة الله سبحانه وتعالى ، بدعةٌ لها أكثر من ألف سنة ثم بعد ذلك تنهار في مدة خمس سنوات سبحان الله كان يظن الظان أن يبقى يدافع أهلها أقل شيئ نحو ثلاثين سنة أربعين سنة ، هم الآن في آخر أنفاسهم ، والحمد لله بعد أيام ما تجدون في اليمن إلا سنة رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - .
وأنتم تجدون دعوة أهل السنة دعوة ألفة ، دعوة محبة ، تجدون الرجل من تعز ، وآخر من صعدة ، وآخر من حاشد ، وآخر من ذمار ، وآخر من الحديدة ما عندهم هذه التفرقة ، بل أوسع من هذا تجدون الرجل من اليمن ، وآخر من العراق ، وآخر من مكة ، وآخر من نجد ، وآخر من السودان ، وآخر من مصر ، بل ربما من بلجيكا من مسلمي بلجيكا ، ومن مسلمي لندن وهو صاحب سنة ، تجدون قلوبهم واحدة ، ودعوتهم واحدة ، واتجاههم واحداً .
تزول إن شاء الله هذه البدعة بدعة المذاهب التي أخرت الناس ، وصدتهم عن كتاب الله وعن سنة رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - .