بالنسبة لأحاديث الرسول - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - في العدوى حيث يقول : " لاعدى ولا طيرة " وغيرها من الأحاديث التي ينفي فيها النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - العدوى ، وأحاديث الرسول - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - الأخرى مثل : " فر من المجذوم فرارك من الأسد " فنود منك يا شيخ كيفية الجمع بين هذه الأحاديث وأقول أهل العلم في العدوى ، خصوصاً أن هناك من الخبراء في الوقت الحاضر يقول : إنه بعد الاكتشافات من المستحيل أن يكون هناك عدوى ؟
الحمد لله ، وصلى الله عوسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وأصحابه ومن والاه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ..
أما بعد : فأحاديث العدوى وأحاديث : لا عدوى ، قد اختلف فيها الصحابة أنفسهم ، ثم العلماء بعدهم ، فأبو هريرة رضي الله عنه كان يروي حديث : لا عدوى ، ثم أمسك عنه ، وصار يروي حديث : " فر من المجذوم فرارك من الأسد " ، فهو يرى أن العدوى تؤثر .
وعائشة رضي الله عنها ترى أن العدوى لا تؤثر ، والعلماء رحمهم الله لهم أقوال في هذا :
فحديث أبي هريرة : لا عدوى ، قال بعضهم : لا عدوى مؤثرة بطبعها كما كان يعتقد الجاهليون ولكن بإذن الله سبحانه وتعالى ، وقال بعضهم بنفي العدوى ، وإنما قال النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - : " فر من المجذوم فرارك من الأسد " محافظة على سلامة العقيدة حتى لا يخالط المصح المريض فيمرض المصح ، فيقول : إن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يقول : " لا عدوى " ، وها أنا قد أصبت وأعديت ، فمن أجل المحافظة على العقيدة قال النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - : " فر من المجذوم فرارك من الأسد " ،والنبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - عند أن قال : " لا عدوى " فجاء أعرابي فقال : ما بال البعير يدخل بين الأبل وهي كالظباء - أي البعير الأجرب - فتعدى ، فقال النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - : " من أعدى الأول " .
والحافظ ابن القيم رحمه الله يقول كما نقل عنه في ( فتح المجيد شرح كتاب التوحيد ) : إنه لا يمنع أن يجعل الله في مخالطة المصح للمريض سبباً لعدوى المصح ، كما أن الله سبحانه وتعالى جعل في ذوات السموم السم ، فينتقل منها اللديغ ، والمنفي عند الحافظ ابن القيم ما تعتقده الجاهلية أن العدوى مؤثرة بذاتها لا بإذن الله سبحانه وتعالى .
والذي يظهر لي أنه لا عدوى بدليل ما تقدم أن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قال : " فمن أعدى الأول ؟ " ، وأما القائل : من المستحيل ألا تحدث عدوى ، لما حصل من الاكتشافات فهذا هو مسبوق من الصحابة ومن بعدهم ولا شيء عليه ، لكن ينبغي أن يقيدها بإذن الله سبحانه وتعالى ولا ينكر عليه ، وإن كنت أرى أن العدوى لا تؤثر كما نفاها النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وقال : " فمن أعدى الأول ؟ " والله أعلم .