الحاكم الفاطمي

قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله- (ج12 ص9): ثم دخلت سنة إحدى عشرة وأربعمائة.

فيها عدم الحاكم بمصر، وذلك أنه لما كان ليلة الثلاثاء لليلتين بقيتا من شوال فقد الحاكم ابن المعز الفاطمي صاحب مصر، فاستبشر المؤمنون والمسلمون بذلك، وذلك لأنه كان جبارا عنيدا وشيطانا مريدا.

ولنذكر شيئا من صفاته القبيحة وسيرته الملعونة أخزاه الله: كان كثير التلون في أفعاله، وأحكامه، وأقواله، جائرا، وقد كان يروم أن يدعي الألوهية كما ادعاها فرعون، فكان قد أمر الرعية إذا ذكر الخطيب على المنبر اسمه أن يقوم الناس على أقدامهم صفوفا إعظاما لذكره، واحتراما لاسمه، فعل ذلك في سائر ممالكه حتى في الحرمين الشريفين، وكان قد أمر أهل مصر على الخصوص إذا قاموا عند ذكره خروا سجدا له، حتى إنه ليسجد بسجودهم من في الأسواق من الرعاع وغيرهم ممن كان لا يصلي الجمعة، وكانوا يتركون السجود لله في يوم الجمعة وغيره ويسجدون للحاكم، وأمر في وقت لأهل الكتابين بالدخول في دين الإسلام كرها، ثم أذن لهم في العودة إلى دينهم، وخرب كنائسهم، ثم عمرها، وخرب القمامة ثم أعادها، وابتنى المدارس وجعل فيها الفقهاء والمشايخ، ثم قتلهم وأخربها، وألزم الناس بغلق الأسواق نهارا وفتحها ليلا، فامتثلوا ذلك دهرا طويلا حتى اجتاز مرة برجل يعمل النجارة في أثناء النهار، فوقف عليه فقال: ألم أنهكم؟ فقال: يا سيدي لما كان الناس يتعيشون بالنهار كانوا يسهرون بالليل، ولما كانوا يتعيشون بالليل سهروا بالنهار، فهذا من جملة السهر، فتبسم وتركه، وأعاد الناس إلى أمرهم الأول.

وكل هذا تغيير للرسوم واختبار لطاعة العامة له ليرقى في ذلك إلى ما هو أشر وأعظم منه، وقد كان يعمل الحسبة بنفسه، فكان يدور بنفسه في الأسواق على حمار له، وكان لا يركب إلا حمارا فمن وجده قد غش في معيشة أمر عبدا أسود معه يقال له مسعود أن يفعل به الفاحشة العظمى، وهذا أمر منكر ملعون لم يسبق إليه.

وكان قد منع النساء من الخروج من منازلهن، وقطع شجر الأعناب حتى لا يتخذ الناس منها خمرا، ومنعهم من طبخ الملوخية وأشياء من الرعونات التي من أحسنها منع النساء من الخروج، وكراهة الخمر.

وكانت العامة تبغضه كثيرا ويكتبون له الأوراق بالشتيمة البالغة له ولأسلافه في صورة قصص، فإذا قرأها ازداد غيظا وحنقا عليهم، حتى إن أهل مصر عملوا له صورة امرأة من ورق بخفيها وإزارها وفي يدها قصة فيها من الشتم واللعن والمخالفة شيء كثير، فلما رآها ظنها امرأة فذهب من ناحيتها وأخذ القصة من يدها فقرأها فرأى ما فيها فأغضبه ذلك جدا فأمر بقتل المرأة فلما تحققها من ورق ازداد غيظا إلى غيظه، ثم لما وصل إلى القاهرة أمر السودان أن يذهبوا إلى مصر فيحرقوها وينهبوا ما فيها من الأموال والمتاع والحريم، فذهبوا فامتثلوا ما أمرهم به، فقاتلهم أهل مصر قتالا شديدا ثلاثة أيام، والنار تعمل في الدور والحريم، وهو في كل يوم قبحه الله يخرج فيقف من بعيد وينظر ويبكي ويقول: من أمر هؤلاء العبيد بهذا؟ ثم اجتمع الناس في الجوامع ورفعوا المصاحف وصاروا إلى الله عز وجل واستغاثوا به فرق لهم الترك والمشارقة، وانحازوا إليهم وقاتلوا معهم عن حريمهم ودورهم، وتفاقم الحال جدا ثم ركب الحاكم لعنه الله ففصل بين الفريقين، وكف العبيد عنهم، وكان يظهر التنصل مما فعله العبيد وأنهم ارتكبوا ذلك من غير علمه وإذنه، وكان ينفذ إليهم السلاح ويحثهم على ذلك في الباطن، وما انجلى الأمر حتى احترق من مصر نحو ثلثها، ونهب قريب من نصفها، وسبيت نساء وبنات كثيرة وفعل معهن الفواحش والمنكرات، حتى أن منهن من قتلت نفسها خوفا من العار والفضيحة، واشترى الرجال منهم من سبى لهم من النساء والحريم.

قال ابن الجوزي: ثم ازداد ظلم الحاكم حتى عن له أن يدعي الربوبية، فصار قوم من الجهال إذا رأوه يقولون: يا واحد يا أحد، يا محيي يا مميت، قبحهم الله جميعا.

  العناوين الفرعية
 صفة مقتله لعنه الله:


 الإلحاد الخميني في أرض الحرمين
  • عنوان الكتاب: الإلحاد الخميني في أرض الحرمين
  • تاريخ الإضافة: 13 رجب 1426هـ
  • الزيارات: 650706
  • التحميلات: 24973
  • تفاصيل : الطبعة الثانية- دار الآثار/صنعاء
  • تنزيل: اضغط هنا للتنزيل  zip

فهرس الكتاب

تفريع الفهرس | ضم الفهرس