قال أبومحمد بن حزم -رحمه الله- في «الفصل» (ج4 ص179): ذكر شنع الشيعة:
قال أبومحمد: أهل الشنع من هذه الفرقة ثلاث طوائف: أولها الجارودية من الزيدية، ثم الإمامية من الرافضة، ثم الغالية.
فأما الجارودية فإن طائفة منهم قالت: إن محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب القائم بالمدينة على أبي جعفر المنصور فوجه إليه المنصور عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبدالله بن العباس فقتل محمد ابن عبدالله بن الحسن -رحمه الله- فقالت هذه الطائفة: إن محمدا المذكور حي لم يقتل، ولا مات، ولا يموت حتى يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا.
وقالت طائفة أخرى منهم: إنه يحيى بن عمر بن يحيى بن الحسين بن زيد ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب القائم بالكوفة أيام المستعين، فوجه إليه محمد بن عبدالله بن طاهر بن الحسين بأمر المستعين ابن عمه الحسن بن إسماعيل بن الحسين، وهو ابن أخي طاهر بن الحسين فقتل يحيى بن عمر -رحمه الله-. فقالت الطائفة المذكورة: إن يحيى بن عمر هذا حي لم يقتل ولا مات ولا يموت حتى يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا.
وقالت طائفة منهم: إن محمد بن القاسم بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب القائم بالطالقان أيام المعتصم حي لم يمت ولا قتل ولا يموت حتى يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا.
وقالت الكيسانية وهم أصحاب المختار بن أبي عبيد وهم عندنا شعبة من الزيدية في سبيلهم: إن محمد بن علي بن أبي طالب وهو ابن الحنفية حي بجبال رضوي عن يمينه أسد وعن يساره نمر تحدثه الملائكة يأتيه رزقه غدوا وعشيا لم يمت ولا يموت حتى يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا.
وقال بعض الروافض الإمامية وهي الفرقة التي تدعى الممطورة: إن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب حي لم يمت ولا يموت حتى يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا.
وقالت طائفة منهم وهم الناووسية أصحاب ناوس المصري مثل ذلك في أبيه جعفر بن محمد. وقالت طائفة منهم مثل ذلك في أخيه إسماعيل بن جعفر. وقالت السبأية أصحاب عبدالله بن سبأ الحميري اليهودي مثل ذلك في علي ابن أبي طالب -رضي الله عنه- وزادوا: إنه في السحاب، فليت شعري في أي سحابة هو من السحاب، والسحاب كثير في أقطار الهواء مسخر بين السماء والأرض كما قال الله تعالى. وقال عبدالله بن سبأ إذ بلغه قتل علي -رضي الله عنه-: لو أتيتمونا بدماغه سبعين مرة ما صدقنا موته ولا يموت حتى يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا.
وقال بعض الكيسانية: بأن أبا مسلم السراج حي لم يمت وسيظهر ولا بد. وقال بعض الكيسانية بأن عبدالله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب حي بجبال أصبهان إلى اليوم ولا بد له من أن يظهر، وعبدالله هذا هو القائم بفارس أيام مروان بن محمد وقتله أبومسلم بعد أن سجنه دهرا، وكان عبدالله هذا رديء الدين معطلا مستصحبا للدهرية.
قال أبومحمد: فصار هؤلاء في سبيل اليهود القائلين بأن ملكصيدق بن عامر بن أرفخشد بن سام بن نوح، والعبد الذي وجهه إبراهيم -عليه السلام- ليخطب ريقا بنت بنؤال بن ناخور بن تارخ على إسحاق ابنه -عليه السلام- وإلياس -عليه السلام- وفنحاس بن العازار بن هارون -عليه السلام- أحياء إلى اليوم وسلك هذا السبيل بعض تركي الصوفية فزعموا أن الخضر وإلياس عليهما السلام حيان إلى اليوم، وادعى بعضهم أنه يلقى إلياس في الفلوات والخضر في المروج والرياض وأنه متى ذكر حضر علي ذاكره.
قال أبومحمد: فإن ذكر في شرق الأرض وغربها وشمالها وجنوبها وفي ألف موضع في دقيقة واحدة كيف يصنع ولقد لقينا من يذهب إلى هذا خلقا وكلمناهم منهم المعروف بابن شق الليل المحدث بطلبيرة وهو مع ذلك من أهل العناية وسعة الرواية، ومنهم محمد بن عبدالله الكاتب وأخبرني أنه جالس الخضر وكلمه مرارا وغيره كثير، هذا مع سماعهم قول الله تعالى: ﴿ولكن رسول الله وخاتم النبيين﴾(1)، وقول رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «لا نبي بعدي» فكيف يستجيز مسلم أن يثبت بعده -عليه السلام- نبيا في الأرض حاشا ما استثناه رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في الآثار المسندة الثابتة في نزول عيسى بن مريم -عليه السلام- في آخر الزمان.
وكفار برغواطة إلى اليوم ينتظرون صالح بن طريف الذي شرع لهم دينهم، وقالت القطيعية من الإمامية الرافضة كلهم -وهم جمهور الشيعة ومنهم المتكلمون والنظارون والعدد العظيم- بأن محمد بن الحسن بن علي بن محمد ابن علي بن موسى بن جعفر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب حي لم يمت ولا يموت حتى يخرج فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا، وهو عندهم المهدي المنتظر، ويقول طائفة منهم إن مولد هذا الذي لم يخلق قط في سنة ستين ومائتين سنة موت أبيه، وقالت طائفة منهم: بل بعد موت أبيه بمدة، وقالت طائفة منهم: بل في حياة أبيه، ورووا ذلك عن حكيمة بنت محمد بن علي بن موسى وأنها شهدت ولادته وسمعته يتكلم حين سقط من بطن أمه ويقرأ القرآن، وأن أمه نرجس وأنها كانت هي القابلة. وقال جمهور: بل أمه صقيل، وقالت طائفة منهم: بل أمه سوسن.
وكل هذا هوس ولم يعقب الحسن المذكور لا ذكرا ولا أنثى، فهذا أول نوك الشيعة ومفتاح عظيماتهم وأخفها، وإن كانت مهلكة، ثم قالوا كلهم -إذ سئلوا عن الحجة فيما يقولون-: حجتنا الإلهام وأن من خالفنا ليس لرشدة، فكان هذا طريفا جدا ليت شعري ما الفرق بينهم وبين عيار مثلهم يدعي في إبطال قولهم الإلهام وأن الشيعة ليسوا لرشدة أو أنهم نوكة أو أنهم جملة ذوو شعبة من جنون في رءوسهم، وما قولهم فيمن كان منهم ثم صار في غيرهم أو من كان في غيرهم فصار فيهم أتراه ينتقل من ولادة الغية إلى ولادة الرشدة، ومن ولادة الرشدة إلى ولادة الغية، فإن قالوا: حكمه لما يموت عليه. قيل لهم: فلعلكم أولاد غية إذ لا يؤمن رجوع الواحد فالواحد منكم إلى خلاف ما هو عليه اليوم، والقوم بالجملة ذوو أديان فاسدة، وعقول مدخولة، وعديمو حياء، ونعوذ بالله من الضلال.
وذكر عمرو بن بحر الجاحظ وهو وإن كان أحد المجان ومن غلب عليه الهزل وأحد الضلال المضلين فإننا ما رأينا له في كتبه تعمد كذبة يوردها مثبتا لها، وإن كان كثيرا لا يرد كذب غيره، قال: أخبرني أبوإسحاق إبراهيم النظام وبشر بن خالد أنهما قالا لمحمد بن جعفر الرافضي المعروف بشيطان الطاق: ويحك أما استحييت من الله أن تقول في كتابك في الإمامة: إن الله تعالى لم يقل قط في القرآن: ﴿ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا﴾(2) قالا: فضحك والله شيطان الطاق ضحكا طويلا حتى كأنا نحن الذين أذنبنا، قال النظام: وكنا نكلم علي بن ميتم الصابوني وكان من شيوخ الرافضة ومتكلميهم فنسأله: أرأي أم سماع عن الأئمة؟! فينكر أن يقوله برأي فتخبره بقوله فيها قبل ذلك، قال: فوالله ما رأيته خجل من ذلك ولا استحيا لفعله هذا قط، ومن قول الإمامية كلها قديما وحديثا: إن القرآن مبدل زيد فيه ما ليس منه، ونقص منه كثير وبدل منه كثير، حاشا علي بن الحسن بن موسى بن محمد بن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وكان إماميا يظاهر بالاعتزال، مع ذلك فإنه كان ينكر هذا القول ويكفر من قاله، وكذلك صاحباه أبويعلى ميلاد الطوسي وأبوالقاسم الرازي.
قال أبومحمد: القول بأن بين اللوحين تبديلا كفر صحيح وتكذيب لرسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
وقالت طائفة من الكيسانية بتناسخ الأرواح، وبهذا يقول السيد الحميري الشاعر لعنه الله ويبلغ الأمر بمن يذهب إلى هذا إلى أن يأخذ أحدهم البغل أو الحمار فيعذبه ويضربه ويعطشه ويجيعه على أن روح أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- فيه، فاعجبوا لهذا الحمق الذي لا نظير له، وما الذي خص هذا البغل الشقي أو الحمار المسكين بنقله الروح إليه دون سائر البغال والحمير، وكذلك يفعلون بالعنز على أن روح أم المؤمنين -رضي الله عنها- فيها.
وجمهور متكلميهم كهشام بن الحكم الكوفي وتلميذه أبي علي الصكاك وغيرهما يقول: إن علم الله تعالى محدث وإنه لم يكن يعلم شيئا حتى أحدث لنفسه علما وهذا كفر صحيح، وقد قال هشام هذا في حين مناظرته لأبي الهذيل العلاف: إن ربه سبعة أشبار بشبر نفسه، وهذا كفر صحيح، وكان داود الجوازي(3) من كبار متكلميهم يزعم أن ربه لحم ودم على صورة الانسان. ولا يختلفون في أن الشمس ردت على علي بن أبي طالب مرتين أفيكون في صفاقة الوجه وصلابة الخد وعدم الحياء والجرأة على الكذب أكثر من هذا، على قرب العهد وكثرة الخلق، وطائفة منهم تقول: إن الله تعالى يريد الشيء ويعزم عليه ثم يبدو له فلا يفعله، وهذا مشهور للكيسانية.
ومن الإمامية من يجيز نكاح تسع نسوة، ومنهم من يحرم الكرنب لأنه إنما نبت على دم الحسين ولم يكن قبل ذلك، وهذا في قلة الحياء قريب مما قبله وكما يزعم كثير منهم أن عليا لم يكن له سمي قبله، وهذا جهل عظيم بل كان في العرب كثير يسمون هذا الاسم كعلي بن بكر بن وائل، إليه يرجع كل بكري في العالم في نسبه، وفي الأزد علي، وفي بجيلة علي وغيرها، كل ذلك في الجاهلية مشهور وأقرب من ذلك عامر بن الطفيل يكنى أبا علي ومجاهراتهم أكثر مما ذكرنا، ومنهم طائفة تقول بفناء الجنة والنار، وفي الكيسانية من يقول: إن الدنيا لا تفنى أبدا.
ومنهم طائفة تسمى النحلية نسبوا إلى الحسن بن علي بن ورصند النحلي كان من أهل نفطة من عمل قفصة وقسطيلية من كور إفريقية ثم نهض هذا الكافر إلى السوس في أقاصي بلاد المصامدة فأضلهم وأضل أمير السوس أحمد بن إدريس بن يحيى بن عبدالله بن الحسين بن الحسن بن علي بن أبي طالب، فهم هنالك كثير سكان في ربض مدينة السوس معلنون بكفرهم وصلاتهم خلاف صلاة المسلمين، لا يأكلون شيئا من الثمار زبل أصله ويقولون: إن الأمامة في ولد الحسن دون ولد الحسين، ومنهم أصحاب أبي كامل ومن قولهم إن جميع الصحابة -رضي الله عنهم- كفروا بعد موت النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إذ جحدوا إمامة علي وإن عليا كفر إذ سلم الأمر إلى أبي بكر ثم عمر ثم عثمان، ثم قال جمهورهم: إن عليا ومن اتبعه رجعوا إلى الاسلام إذ دعا إلى نفسه بعد قتل عثمان، وإذ كشف وجهه وسل سيفه وإنه وإياهم كانوا قبل ذلك مرتدين عن الإسلام كفارا مشركين، ومنهم من يرد الذنب في ذلك إلى النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إذ لم يبين الأمر بيانا رافعا للاشكال.
قال أبومحمد: وكل هذا كفر صريح لا خفاء به، فهذه مذاهب الإمامية وهي المتوسطة في الغلو من فرق الشيعة.
وأما الغالية من الشيعة فهم قسمان: قسم أوجبت النبوة بعد النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لغيره، والقسم الثاني: أوجبوا الإلهية لغير الله عز وجل، فلحقوا بالنصارى واليهود، وكفروا أشنع الكفر.
فالطائفة التي أوجبت النبوة بعد النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فرق فمنهم الغرابية وقولهم: إن محمدا -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كان أشبه بعلي من الغراب بالغراب، وإن الله عز وجل بعث جبريل -عليه السلام- بالوحي إلى علي فغلط جبريل بمحمد، ولا لوم على جبريل في ذلك لأنه غلط، وقالت طائفة منهم: بل تعمد ذلك جبريل وكفروه ولعنوه لعنهم الله.
قال أبومحمد: فهل سمع بأضعف عقولا وأتم رقاعة من قوم يقولون: إن محمدا -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كان يشبه علي بن أبي طالب، فياللناس أين يقع شبه ابن أربعين سنة من صبي ابن إحدى عشرة سنة، حتى يغلط به جبريل -عليه السلام-، ثم محمد -عليه السلام- فوق الربعة إلى الطول، قويم القناة، كث اللحية، أدعج العينين، ممتلئ الساقين -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قليل شعر الجسد أفرع، وعلي دون الربعة إلى القصر، منكب شديد الانكباب، كأنه كسر ثم جبر، عظيم اللحية قد ملئت صدره من منكب إلى منكب إذ التحى، ثقيل العينين، دقيق الساقين، أصلع عظيم الصلع، ليس في رأسه شعر إلا في مؤخره يسير، كثير شعر اللحية، فاعجبوا لحمق هذه الطبقة، ثم لو جاز أن يغلط جبريل وحاشا للروح القدس الأمين كيف غفل الله عز وجل عن تقويمه وتنبيهه وتركه على غلطه ثلاثا وعشرين سنة، ثم أظرف من هذا كله من أخبرهم بهذا الخبر، ومن خرفهم بهذه الخرافة، وهذا لا يعرفه إلا من شاهد أمر الله تعالى لجبريل -عليه السلام-، ثم شاهد خلافه، فعلى هؤلاء لعنة الله ولعنة اللاعنين ولعنة الناس أجمعين ما دام لله في عالمه خلق.
وفرقة قالت بنبوة علي، وفرقة قالت بأن علي بن أبي طالب والحسن والحسين -رضي الله عنهم-، وعلي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي، والحسن بن محمد، والمنتظر ابن الحسن، أنبياء كلهم. وفرقة قالت بنبوة محمد بن إسماعيل ابن جعفر فقط، وهم طائفة من القرامطة، وفرقة قالت بنبوة علي وبنيه الثلاثة الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية فقط، وهم طائفة من الكيسانية، وقد حام المختار حول أن يدعي النبوة لنفسه، وسجع أسجاعا وأنذر بالغيوب عن الله واتبعه على ذلك طوائف من الشيعة الملعونة، وقال بإمامة محمد بن الحنفية.
وفرقة قالت بنبوة المغيرة بن سعيد مولى بجيلة بالكوفة، وهو الذي أحرقه خالد ابن عبدالله القسري بالنار، وكان لعنه الله يقول: إن معبوده صورة رجل على رأسه تاج، وإن أعضاءه على عدد حرف الهجاء، الألف للساقين... ونحو ذلك مما لا ينطق لسان ذي شعبة من دين به تعالى الله عما يقول الكافرون علوا كبيرا، وكان لعنه الله يقول: إن معبوده لما أراد أن يخلق الخلق تكلم باسمه الأكبر، فوقع على تاجه ثم كتب بأصبعه أعمال العباد من المعاصي والطاعات، فلما رأى المعاصي ارفض به عرقا فاجتمع من عرقه بحران أحدهما ملح مظلم، والثاني نير عذب، ثم اطلع في البحر فرأى ظلمة، فذهب ليأخذه فطار، فأخذه فقلع عيني ذلك الظل ومحقه، فخلق من عينيه الشمس وشمسا أخرى، وخلق الكفار من البحر المالح وخلق المؤمنين من البحر العذب، في تخليط لهم كثير، وكان مما يقول: إن الانبياء لم يختلفوا قط في شيء من الشرائع.
وقد قيل: إن جابر بن يزيد الجعفي الذي يروي عن الشعبي كان خليفة المغيرة بن سعيد إذ حرقه خالد بن عبد الله القسري، فلما مات جابر خلفه بكر الأعور الهجري، فلما مات فوضوا أمرهم إلى عبدالله بن المغيرة رئيسهم المذكور، وكان لهم عدد ضخم بالكوفة، وآخر ما وقف عليه المغيرة بن سعيد القول بإمامة محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسين، وتحريم ماء الفرات، وكل ماء نهر أو عين أو بئر وقعت فيه نجاسة فبرئت منه عند ذلك القائلون بالإمامة في ولد الحسين.
وفرقة قالت بنبوة بيان بن سمعان التميمي، صلبه وأحرقه خالد بن عبدالله القسري مع المغيرة بن سعيد في يوم واحد، وجبن المغيرة بن سعيد عن اعتناق حزمة الحطب جبنا شديدا، حتى ضم إليها قهرا، وبادر بيان بن سمعان إلى الحزمة فاعتنقها من غير إكراه ولم يظهر منه جزع، فقال خالد لأصحابهما: في كل شيء أنتم مجانين، هذا كان ينبغي أن يكون رئيسكم، لا هذا الفسل. وكان بيان لعنه الله يقول: إن الله تعالى يفنى كله حاشا وجهه فقط. وظن المجنون أنه تعلق في كفره هذا بقوله تعالى: ﴿كل من عليها فان ويبقى وجه ربك﴾(4) ولو كان له أدنى عقل أو فهم لعلم أن الله تعالى إنما أخبر بالفناء عما على الأرض فقط بنص قوله الصادق: ﴿كل من عليها فان﴾ ولم يصف عز وجل بالفناء غير ما على الأرض ووجه الله تعالى هو الله وليس هو شيئا غيره، وحاشا لله من أن يوصف بالتبعيض والتجزي هذه صفة المخلوقين المحدودين، لا صفة من لا يحد ولا له مثل. وكان لعنه الله يقول: إنه المعني بقول الله تعالى: ﴿هذا بيان للناس﴾(5) وكان يذهب إلى أن الإمام هو هاشم عبدالله بن محمد ابن الحنفية ثم هي في سائر ولد علي كلهم.
وقالت فرقة منهم بنبوة منصور المستير العجلي، وهو الملقب بالكسف، وكان يقال: إنه المراد بقول الله عز وجل: ﴿وإن يرو كسفا من السماء ساقطا﴾(6) وصلبه يوسف بن عمر بالكوفة، وكان لعنه الله يقول: إنه عرج به إلى السماء، وأن الله تعالى مسح رأسه بيده وقال له: ابني اذهب فبلغ عني. وكان يمين أصحابه: لا والكلة، وكان لعنه الله يقول: بأن أول من خلق الله تعالى عيسى بن مريم، ثم علي بن أبي طالب، وكان يقول بتواتر الرسل، وأباح المحرمات من الزنا والخمر والميتة والخنزير والدم وقال: إنما هم أسماء رجال، وجمهور الرافضة اليوم على هذا، وأسقط الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وأصحابه كلهم خناقون رضاخون، وكذلك أصحاب المغيرة بن سعيد ومعناهم في ذلك أنهم لا يستحلون حمل السلاح حتى يخرج الذي ينتظرونه، فهم يقتلون الناس بالخنق وبالحجارة والخشبية بالخشب فقط.
وذكر هشام بن الحكم الرافضي في كتابه المعروف بـ«الميزان» وهو أعلم الناس به لأنه جارهم بالكوفة وجارهم في المذهب: إن الكسفية خاصة يقتلون من كان منهم ومن خالفهم، ويقولون: نعجل المؤمن إلى الجنة والكافر إلى النار، وكانوا بعد موت أبي منصور يؤدون الخمس مما يأخذون ممن خنقوه إلى الحسن بن أبي منصور، وأصحابه فرقتان فرقة قالت: إن الإمامة بعد محمد بن علي بن الحسن صارت إلى محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسين، وفرقة قالت: بل إلى أبي المنصور الكسف ولا تعود في ولد علي أبدا. وقالت فرقة بنبوة بزيغ الحائك بالكوفة، وإن وقع هذه الدعوة لهم في حائك لظريفة، وفرقة قالت بنبوة معمر بائع الحنطة بالكوفة، وقالت فرقة بنبوة عمر التبان بالكوفة، وكان لعنه الله يقول لأصحابه: لو شئت أن أعيد هذا التبن تبرا لفعلت. وقدم إلى خالد بن عبدالله القسري بالكوفة فتجلد وسب خالدا فأمر خالد بضرب عنقه، فقتل إلى لعنة الله. وهذه الفرق الخمس كلها من فرق الخطابية، وقالت فرقة من أولئك شيعة بني العباس بنبوة عمار الملقب بخداش فظفر به أسد بن عبدالله أخو خالد بن عبدالله القسري فقتله إلى لعنة الله.
والقسم الثاني من فرق الغالية الذين يقولون بالإلهية لغير الله عز وجل فأولهم قوم من أصحاب عبدالله بن سبأ الحميري لعنه الله أتوا إلى علي بن أبي طالب فقالوا مشافهة: أنت هو. فقال لهم: ومن هو؟ قالوا: أنت الله. فاستعظم الأمر وأمر بنار فأججت وأحرقهم بالنار، فجعلوا يقولون وهم يرمون في النار: الآن صح عندنا أنه الله لأنه لا يعذب بالنار إلا الله. وفي ذلك يقول -رضي الله عنه-:
لما رأيت الأمر أمرا منكرا أججت نارا ودعوت قنبرا
يريد قنبرا مولاه وهو الذي تولى طرحهم في النار نعوذ بالله من أن نفتتن بمخلوق أو يفتتن بنا مخلوق فيما جل أو دق، فإن محنة أبي الحسن -رضي الله عنه- من بين أصحابه -رضي الله عنهم- كمحنة عيسى -صلى الله عليه وسلم- بين أصحابه من الرسل عليهم السلام، وهذه الفرقة باقية إلى اليوم فاشية عظيمة العدد يسمون العليانية منهم كان إسحاق بن محمد النخعي الأحمر الكوفي، وكان من متكلميهم وله في ذلك كتاب سماه «الصراط» نقض عليه البهنكي والفياض لما ذكرنا ويقولون: إن محمدا رسول علي.
وقالت طائفة من الشيعة يعرفون بالمحمدية: إن محمدا -عليه السلام- هو الله. تعالى الله عن كفرهم، ومن هؤلاء كان البهنكي والفياض بن علي وله في هذا المعنى كتاب سماه «القسطاس»، وأبوه الكاتب المشهور الذي كتب لإسحاق ابن كنداج أيام ولايته ثم لأمير المؤمنين المعتضد وفيه يقول البحتري القصيدة المشهورة التي أولها:
شط من مساكن الغرير مرارة وطوته البلاد والله حارةوالفياض هذا لعنه الله قتله القاسم بن عبدالله بن سليمان بن وهب لكونه من جملة من سعى به أيام المعتضد، والقصة مشهورة.
وفرقة قالت بإلاهية آدم -عليه السلام- والنبيين بعده نبيا نبيا إلى محمد -عليه السلام-، ثم بإلاهية علي، ثم بإلاهية الحسن، ثم الحسين، ثم محمد بن علي، ثم جعفر بن محمد، ووقفوا ههنا وأعلنت الخطابية بذلك نهارا بالكوفة، في ولاية عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبدالله بن العباس، فخرجوا صدر النهار في جموع عظيمة في أزر وأردية محرمين ينادون بأعلى أصواتهم: لبيك جعفر لبيك جعفر. قال ابن عياش وغيره: كأني انظر إليهم يومئذ، فخرج إليهم عيسى بن موسى فقاتلوه فقتلهم واصطلمهم.
ثم زادت فرقة على ما ذكرنا، فقالت بإلاهية محمد بن إسماعيل بن جعفر ابن محمد وهم القرامطة، وفيهم من قال بإلاهية أبي سعيد الحسن بن بهرام الجبائي وأبنائه بعده، ومنهم من قال بإلاهية أبي القاسم النجار باليمن في بلاد همدان المسمى بالمنصور، وقالت طائفة منهم بإلاهية عبيدالله ثم الولاة من ولده إلى يومنا هذا.
وقالت طائفة بإلاهية أبي الخطاب محمد بن أبي زينب مولى بني أسد بالكوفة، وكثر عددهم بها حتى تجاوزوا الألوف وقالوا: هو إله وجعفر بن محمد إله، إلا أن أبا الخطاب أكبر منه، وكانوا يقولون: جميع أولاد الحسن ابناء الله وأحباؤه، وكانوا يقولون: إنهم لا يموتون ولكنهم يرفعون إلى السماء وأشبه على الناس بهذا الشيخ الذي ترون، ثم قالت طائفة منهم بإلاهية معمر بائع الحنطة بالكوفة وعبدوه، وكان من أصحاب أبي الخطاب لعنهم الله أجمعين.
وقالت طائفة بإلاهية الحسن بن منصور حلاج القطن المصلوب ببغداد بسعي الوزير ابن حامد بن العباس -رحمه الله- أيام المقتدر. وقالت طائفة بإلاهية محمد بن علي بن السلمان الكاتب المقتول ببغداد أيام الراضي وكان أمر أصحابه أن يفسق إلا رفع قدرا منهم به ليولج فيه النور، وكل هذه الفرق ترى الاشتراك في النساء.
وقالت طائفة منهم بإلاهية شباش المغيم في وقتنا هذا حيا بالبصرة. وقالت طائفة منهم بإلاهية أبي مسلم السراج. ثم قالت طائفة من هؤلاء بإلاهية المقنع الأعور القصار القائم بثار أبي مسلم واسم هذا القصار هاشم، وقتل لعنه الله أيام المنصور وأعلنوا بذلك فخرج المنصور فقتلهم وأفناهم إلى لعنة الله. وقالت الرواندية بإلاهية أبي جعفر المنصور.
وقالت طائفة منهم بإلاهية عبدالله بن الخرب الكندي الكوفي وعبدوه وكان يقول بتناسخ الأرواح، وفرض عليهم تسعة عشر صلاة في اليوم والليلة، في كل صلاة خمس عشرة ركعة إلى أن ناظره رجل من متكلمي الصفرية وأوضح له براهين الدين فأسلم وصح إسلامه، وتبرأ من كل ما كان عليه وأعلم أصحابه بذلك وأظهر التوبة، فتبرأ منه جميع أصحابه الذين كانوا يعبدونه ويقولون بإلاهيته ولعنوه وفارقوه، ورجعوا كلهم إلى القول بإمامة عبدالله بن معاوية بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب وبقي عبدالله بن الخرب على الإسلام وعلى مذهب الصفرية إلى أن مات، وطائفته إلى اليوم تعرف بالخربية وهي من السبأية القائلين بإلاهية علي.
وطائفة تدعى النصيرية غلبوا في وقتنا هذا على جند الأردن بالشام، وعلى مدينة طبرية خاصة، ومن قولهم لعن فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ولعن الحسن والحسين ابني علي -رضي الله عنهم-، وسبهم بأقذع السب، وقذفهم بكل بلية، والقطع بأنها وابنيها -رضي الله عنهم ولعن مبغضيهم- شياطين تصوروا في صورة الإنسان، وقولهم في عبدالرحمن بن ملجم المرادي قاتل علي -رضي الله عنه-: على علي لعنة الله ورضي عن ابن ملجم. فيقول هؤلاء: إن عبدالرحمن ابن ملجم المرادي أفضل أهل الأرض وأكرمهم في الآخرة، لأنه خلص روح اللاهوت مما كان يتشبث فيه من ظلمة الجسد وكدره فاعجبوا لهذا الجنون، واسألوا الله العافية من بلاء الدنيا والآخرة فهي بيده لا بيد أحد سواه، جعل الله حظنا منها الأوفى.
واعلموا أن كل من كفر هذه الكفرات الفاحشة ممن ينتمي إلى الإسلام فإنما عنصرهم الشيعة والصوفية، فإن من الصوفية من يقول: إن من عرف الله تعالى سقطت عنه الشرائع، وزاد بعضهم واتصل بالله تعالى وبلغنا أن بنيسابور اليوم في عصرنا هذا رجل يكنى أبا سعيد أبا الخير -هكذا معا- من الصوفية مرة يلبس الصوف، ومرة يلبس الحرير المحرم على الرجال، ومرة يصلي في اليوم ألف ركعة، ومرة لا يصلى لا فريضة ولا نافلة، وهذا كفر محض ونعوذ بالله من الضلال. اهـ?
_______________________
(1) سورة الأحزاب، الآية: 40.
(2) سورة التوبة، الآية: 4.
(3) كذا في الأصل وصوابه: الجواربي.
(4) سورة الرحمن، الآية: 26-27.
(5) سورة آل عمران، الآية: 138.
(6) سورة الطور، الآية: 44.