فصل في فضائل الصحابة

? قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا(1).

ومعنى وسطا: عدولا، كما في حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- الذي في الصحيح.

? وقال تعالى: ﴿كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله(2).

هاتان الآيتان وإن كانتا تشملان الأمة كلها، فإن الصحابة داخلون في هذا دخولا أوليا لأنهم المخاطبون بهذا.

قال الإمام أبو بكر بن أبي شيبة (ج12 ص155): حدثنا عبدالرحيم بن سليمان، عن إسرائيل، عن سماك بن حرب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: ﴿كنتم خير أمة أخرجت للناس قال الذين هاجروا مع محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إلى المدينة.

وسنده حسن.

? وقال تعالى: ﴿والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان -رضي الله عنهم- ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم(3).

? وقال تعالى: ﴿لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم(4).

? وقال تعالى: ﴿محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين ءامنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما(5).

? وقال تعالى: ﴿لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير(6). فقوله: ﴿وكلا وعد الله الحسنى يشمل جميع صحابة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ورضي عنهم أجمعين.

? وقال تعالى: ﴿والذين ءامنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم(7).

? وقال تعالى: ﴿من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا(8).

? وقال سبحانه وتعالى: ﴿للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون*? والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون * والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين ءامنوا ربنا إنك رءوف رحيم(9).

قال الإمام الشوكاني -رحمه الله- في تفسيره «فتح القدير» (ج5 ص202) في الكلام على قوله تعالى: ﴿ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين ءامنوا: أي غشا وبغضا وحسدا، أمرهم الله سبحانه بعد الاستغفار للمهاجرين والأنصار أن يطلبوا من الله سبحانه أن ينزع من قلوبهم الغل للذين آمنوا على الإطلاق فيدخل في ذلك الصحابة دخولا أوليا لكونهم أشرف المؤمنين، ولكن السياق فيهم فمن لم يستغفر للصحابة على العموم ويطلب رضوان الله لهم، فقد خالف ما أمره الله به في هذه الآية، فإن وجد في قلبه غلا لهم فقد أصابه نزغ من الشيطان، وحل به نصيب وافر من عصيان الله بعداوة أوليائه، وخير أمة نبيه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وانفتح له باب من الخذلان يفد به على نار جهنم إن لم يتدارك نفسه باللجوء إلى الله سبحانه، والاستغاثة به بأن ينزع عن قلبه ما طرقه من الغل لخير القرون، وأشرف هذه الأمة، فإن جاوز ما يجده من الغل إلى شتم أحد منهم فقد انقاد للشيطان بزمام، ووقع في غضب الله وسخطه، وهذا الداء العضال إنما يصاب به من ابتلي بمعلم من الرافضة، أو صاحب من أعداء خير الأمة الذين تلاعب بهم الشيطان وزين لهم الأكاذيب المختلقة والأقاصيص المفتراه، والخرافات الموضوعة، وصرفهم عن كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وعن سنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- المنقولة إلينا بروايات الأئمة الأكابر في كل عصر من العصور، فاشتروا الضلالة بالهدى واستبدلوا الخسران العظيم بالربح الوافر، وما زال الشيطان الرجيم ينقلهم من منزلة إلى منزلة، ومن رتبة إلى رتبة، حتى صاروا أعداء كتاب الله، وسنة رسوله وخير أمته وصالحي عباده وسائر المؤمنين، وأهملوا فرائض الله، وهجروا شعائر الدين، وسعوا في كيد الإسلام وأهله بكل حجر ومدر، والله من ورائهم محيط. اهـ

وقال الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في «تفسيره» بعد هؤلاء الآيات: وما أحسن ما استنبط الإمام مالك -رحمه الله- من هذه الآية الكريمة أن الرافضي الذى يسب الصحابة ليس له في مال الفيء نصيب لعدم اتصافه بما مدح الله به هؤلاء في قولهم: ﴿ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين ءامنوا ربنا إنك رءوف رحيم.

وأما الأحاديث في فضائلهم:

? قال الإمام البخاري -رحمه الله- (ج7 ص3): حدثنا علي بن عبدالله، حدثنا سفيان، عن عمرو. قال: سمعت جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما- يقول: حدثنا أبوسعيد الخدري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقولون: فيكم من صاحب رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فيقولون: نعم، فيفتح لهم، ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقال: هل فيكم من صاحب أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-؟ فيقولون: نعم. فيفتح لهم، ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس. فيقال: هل فيكم من صاحب من صاحب أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم».

أخرجه مسلم (ج16 ص83).

? وقال الإمام مسلم -رحمه الله- (ج16 ص84): حدثني سعيد بن يحيى ابن سعيد الأموي، حدثنا أبي، حدثنا ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر. قال: زعم أبوسعيد الخدري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «يأتي على الناس زمان يبعث منهم البعث فيقولون: انظروا هل تجدون فيكم أحدا من أصحاب النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فيوجد الرجل فيفتح لهم به، ثم يبعث البعث الثاني فيقولون: هل فيهم من رأى أصحاب النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-؟ فيفتح لهم به، ثم يبعث البعث الثالث فيقال: انظروا هل ترون فيهم من رأى من رأى أصحاب النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-؟ ثم يكون البعث الرابع فيقال: انظروا هل ترون فيهم أحدا رأى من رأى أحدا رأى أصحاب النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-؟ فيوجد الرجل، فيفتح لهم به».

? قال البخاري -رحمه الله- (ج8 ص3): حدثني إسحاق، حدثنا النضر، أخبرنا شعبة، عن أبي جمرة، سمعت زهدم بن مضرب، سمعت عمران بن حصين -رضي الله عنهما- يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» قال عمران: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثا «ثم إن بعدكم قوما يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يفون، ويظهر فيهم السمن». اهـ

أخرجه مسلم (ج16 ص87). وأبوداود (ج12 ص409).

? قال البخاري -رحمه الله- (ج7 ص3): حدثنا محمد بن كثير، أخبرنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن عبيدة، عن عبدالله -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته». قال إبراهيم: وكانوا يضربوننا على الشهادة والعهد ونحن صغار. اهـ

أخرجه مسلم (ج16 ص84 و85) والترمذي (ج10 ص361)، وقال: هذا حديث حسن صحيح.

? قال الإمام مسلم -رحمه الله- (ج16 ص86): حدثني يعقوب بن إبراهيم، حدثنا هشيم، عن أبي بشر (ح) وحدثني إسماعيل بن سالم، أخبرنا هشيم، أخبرنا أبوبشر، عن عبدالله بن شقيق، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «خير أمتي القرن الذين بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم»، والله أعلم أذكر الثالث أم لا؟ قال: «ثم يخلف قوم يحبون السمانة، يشهدون قبل أن يستشهدوا».

? قال الإمام مسلم -رحمه الله- (ج16 ص89): حدثنا أبوبكر بن أبي شيبة، وشجاع بن مخلد، واللفظ لأبي بكر. قالا: حدثنا حسين وهو ابن علي الجعفي، عن زائدة، عن السدي، عن عبدالله البهي، عن عائشة قالت: سأل رجل النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أي الناس خير؟ قال: «القرن الذي أنا فيه، ثم الثاني، ثم الثالث». اهـ

انتقد الدارقطني هذا الحديث على مسلم وقال: والبهي إنما روى عن عروة عن عائشة، والله أعلم.

ولكن البخاري قد أثبت سماعه، والمثبت مقدم على النافي.

? قال الإمام أحمد -رحمه الله- (ج4 ص267): حدثنا هاشم. قال: حدثنا شيبان، عن عاصم، عن خيثمة والشعبي، عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يأتي قوم تسبق أيمانهم شهادتهم، وشهادتهم أيمانهم».

حدثنا حسن ويونس، قالا: حدثنا حماد بن سلمة، عن عاصم بن بهدلة، عن خيثمة بن عبدالرحمن، عن النعمان بن بشير، أن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «خير هذه الأمة القرن الذين بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم». قال حسن: «ثم ينشأ أقوام تسبق أيمانهم شهادتهم، وشهادتهم أيمانهم».

وأخرجه ص(277) من حديث أبي بكر بن عياش عن عاصم به.

هذا حديث حسن، وأخرجه ابن أبي شيبة (ج12 ص177) من حديث حسين بن علي، عن زائدة، عن عاصم، عن خيثمة به.

وقال البزار كما في «كشف الأستار» (ج3 ص290): لا نعلم أحدا جمع بين الشعبي وخيثمة إلا شيبان. وقد ذكره البزار من حديث زائدة، ومن حديث ورقاء، كلاهما عن عاصم، فعلى هذا يكون شيبان قد خالف حماد بن سلمة وأبا بكر بن عياش عند أحمد كما تقدم، وزائدة وورقاء عند البزار، فيكون ذكر الشعبي شاذا، والله أعلم.

? قال الإمام مسلم -رحمه الله- (ج16 ص82): حدثنا أبوبكر بن أبي شيبة، وإسحق بن إبراهيم، وعبدالله بن عمر بن أبان، كلهم عن حسين. قال أبوبكر: حدثنا حسين بن علي الجعفي، عن مجمع بن يحيى، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبي بردة، عن أبيه، قال: صلينا المغرب مع رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ثم قلنا: لو جلسنا حتى نصلي معه العشاء. قال: فجلسنا فخرج علينا، فقال: «ما زلتم ههنا»؟ قلنا: يا رسول الله صلينا معك المغرب ثم قلنا: نجلس حتى نصلي معك العشاء. قال: «أحسنتم، أو أصبتم». قال: فرفع رأسه إلى السماء وكان كثيرا مما يرفع رأسه إلى السماء فقال: «النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون».

? قال الإمام أبو بكر بن أبي شيبة -رحمه الله- (ج12 ص178): حدثنا زيد بن الحباب. قال: ثنا عبدالله بن العلاء أبوزبر(10) الدمشقي. قال: ثنا عبدالله ابن عامر، عن واثلة بن الأسقع. قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «لا تزالون بخير ما دام فيكم من رآني وصاحبني، والله لا تزالون بخير ما دام فيكم من رأى من رآني وصاحب من صاحبني».

هذا حديث حسن رجاله رجال الصحيح.

قال الإمام أحمد -رحمه الله- (ج1 ص379): حدثنا أبوبكر، حدثنا عاصم، عن زر بن حبيش، عن عبدالله بن مسعود قال: إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه، فما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن، وما رأوه سيئا فهو عند الله سيئ.

وهذا موقوف على عبدالله بن مسعود، وسنده حسن، وليس فيه حجة للمبتدعة الذين يجعلون بعض البدع حسنة لأمرين، الأول: أنه موقوف على عبدالله والموقوف ليس بحجة، الأمر الثاني: أن مراد عبدالله المسلمون الكمل وهم لا يستحسنون تشريعا من قبلهم، لعلمهم أن الله قد أكمل الدين كما قال تعالى: ﴿اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا(11). وقوله تعالى: ﴿أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله(12). وفتح باب الاستحسان أدى إلى التنافر والاختلاف والفرقة، فهذا يستحسن ما ينكره هذا، ولو كان الاستحسان شرعا لأتى به كتاب أو سنة: ﴿?وما كان ربك نسيا(13).

_______________________

(1) سورة البقرة، الآية: 143.

(2) سورة آل عمران، الآية: 110.

(3) سورة التوبة، الآية: 100.

(4) سورة التوبة، الآية: 117.

(5) سورة الفتح، الآية: 29.

(6) سورة الحديد، الآية: 10.

(7) سورة الأنفال، الآية: 74.

(8) سورة الأحزاب، الآية: 23.

(9) سورة الحشر، الآية: 8-10.

(10) في الأصل: أبوالزبير، والصواب ما أثبتناه، كما في ?تهذيب التهذيب?.

(11) سورة المائدة، الآية: 3.

(12) سورة الشورى، الآية: 21.

(13) سورة مريم، الآية: 64.

  العناوين الفرعية
 فضل المهاجرين -رضي الله عنهم- فضل من شهد بدرا
 فضل الأنصار -رضي الله عنهم- فضل أهل بيعة الشجرة


 الإلحاد الخميني في أرض الحرمين
  • عنوان الكتاب: الإلحاد الخميني في أرض الحرمين
  • تاريخ الإضافة: 13 رجب 1426هـ
  • الزيارات: 646519
  • التحميلات: 24949
  • تفاصيل : الطبعة الثانية- دار الآثار/صنعاء
  • تنزيل: اضغط هنا للتنزيل  zip

فهرس الكتاب

تفريع الفهرس | ضم الفهرس