حجة النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-

قال الإمام مسلم -رحمه الله- (ج2 ص886): حدثنا أبوبكر بن أبي شيبة، وإسحق بن إبراهيم، جميعا عن حاتم. قال أبوبكر: حدثنا حاتم بن إسماعيل المدني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه. قال: دخلنا على جابر بن عبدالله فسأل عن القوم حتى انتهى إلي فقلت: أنا محمد بن علي بن حسين فأهوى بيده إلى رأسي فنزع زري الأعلى ثم نزع زري الأسفل ثم وضع كفه بين ثديي وأنا يومئذ غلام شاب. فقال: مرحبا بك يا ابن أخي سل عما شئت، فسألته وهو أعمى، وحضر وقت الصلاة فقام في نساجة ملتحفا بها كلما وضعها على منكبه رجع طرفاها إليه من صغرها، ورداؤه إلى جنبه على المشجب، فصلى بنا فقلت: أخبرني عن حجة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقال بيده فعقد تسعا. فقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- مكث تسع سنين لم يحج، ثم أذن في الناس في العاشرة أن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- حاج، فقدم المدينة بشر كثير، كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ويعمل مثل عمله، فخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كيف أصنع؟ قال: «اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي» فصلى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في المسجد، ثم ركب القصواء حتى إذا استوت به ناقته على البيداء نظرت إلى مد بصري بين يديه من راكب وماش وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك، ورسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله، وما عمل به من شيء عملنا به، فأهل بالتوحيد: «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك» وأهل الناس بهذا الذي يهلون به، فلم يرد رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عليهم شيئا منه، ولزم رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- تلبيته.

قال جابر -رضي الله عنه-: لسنا ننوي إلا الحج لسنا نعرف العمرة، حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثا ومشى أربعا، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم -عليه السلام- فقرأ: ﴿واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى(1) فجعل المقام بينه وبين البيت، فكان أبي يقول: ولا أعلمه ذكره إلا عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كان يقرأ في الركعتين: ﴿قل هو الله أحد و﴿قل يا أيها الكافرون ثم رجع إلى الركن فاستلمه، ثم خرج من الباب إلى الصفا فلما دنا من الصفا قرأ: «﴿إن الصفا والمروة من شعائر الله(2) أبدأ بما بدأ الله به» فبدأ بالصفا فرقي عليه حتى رأى البيت، فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره وقال: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده»، ثم دعا بين ذلك قال مثل هذا ثلاث مرات، ثم نزل إلى المروة حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى، حتى إذا صعدتا مشى حتى أتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا، حتى إذا كان آخر طوافه على المروة فقال: «لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة» فقام سراقة بن مالك بن جعشم فقال: يا رسول الله ألعامنا هذا أم لأبد؟ فشبك رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أصابعه واحدة في الأخرى، وقال: «دخلت العمرة في الحج» مرتين «لا، بل لأبد أبد» وقدم علي من اليمن ببدن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فوجد فاطمة -رضي الله عنها- ممن حل ولبست ثيابا صبيغا واكتحلت فأنكر ذلك عليها. فقالت: إن أبي أمرني بهذا. قال: فكان علي يقول بالعراق: فذهبت إلى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- محرشا على فاطمة للذي صنعت مستفتيا لرسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فيما ذكرت عنه، فأخبرته أني أنكرت ذلك عليها. فقال: «صدقت صدقت، ماذا قلت حين فرضت الحج»؟ قال: قلت: اللهم إني أهل بما أهل به رسولك، قال: فإن معي الهدي، فلا تحل. قال: فكان جماعة الهدي الذي قدم به علي من اليمن والذي أتى به النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- مائة.

قال: فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ومن كان معه هدي، فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى، فأهلوا بالحج، وركب رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس، وأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة، فسار رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام، كما كانت قريش تصنع في الجاهلية، فأجاز رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له، فأتى بطن الوادي فخطب الناس وقال: «إن دماءكم، وأموالكم، حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث، كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل، وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع ربانا ربا عباس بن عبدالمطلب، فإنه موضوع كله، فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله، وأنتم تسألون عني، فما أنتم قائلون»؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت. فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء، وينكتها إلى الناس: «اللهم اشهد، اللهم اشهد» ثلاث مرات، ثم أذن، ثم أقام، فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئا، ثم ركب رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- حتى أتى الموقف، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، وجعل حبل المشاة بين يديه، واستقبل القبلة، فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلا حتى غاب القرص، وأردف أسامة خلفه، ودفع رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وقد شنق للقصواء الزمام، حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله، ويقول بيده اليمنى: «أيها الناس السكينة السكينة» كلما أتى حبلا من الحبال أرخى لها قليلا حتى تصعد حتى أتى المزدلفة، فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ولم يسبح بينهما شيئا، ثم اضطجع رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- حتى طلع الفجر وصلى الفجر حين تبين له الصبح، بأذان وإقامة، ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعاه وكبره وهلله ووحده، فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا، فدفع قبل أن تطلع الشمس، وأردف الفضل بن عباس وكان رجلا حسن الشعر أبيض وسيما، فلما دفع رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- مرت به ظعن يجرين، فطفق الفضل ينظر إليهن، فوضع رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يده على وجه الفضل فحول الفضل وجهه إلى الشق الآخر ينظر، فحول رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يده من الشق الآخر على وجه الفضل يصرف وجهه من الشق الآخر، ينظر حتى أتى بطن محسر، فحرك قليلا ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة، فرماها بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف، رمى من بطن الوادي، ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثا وستين بيده، ثم أعطى عليا فنحر ما غبر، وأشركه في هديه ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها، وشربا من مرقها، ثم ركب رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر، فأتى بني عبدالمطلب يسقون على زمزم. فقال: «انزعوا بني عبدالمطلب، فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم»، فناولوه دلوا فشرب منه.

وحدثنا عمر بن حفص بن غياث، حدثنا أبي، حدثنا جعفر بن محمد، حدثني أبي. قال: أتيت جابر بن عبدالله فسألته عن حجة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-. وساق الحديث بنحو حديث حاتم بن إسماعيل، وزاد في الحديث: وكانت العرب يدفع بهم أبوسيارة على حمار عري، فلما أجاز رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- من المزدلفة بالمشعر الحرام لم تشك قريش أنه سيقتصر عليه ويكون منزله ثم، فأجاز ولم يعرض له حتى أتى عرفات فنزل. اهـ

وأولئك الحمقى يشغلون أنفسهم بالهتافات الفارغة، ويشغلون غيرهم من الحجاج بالنظر إليهم، وبصدهم عن المرور من الطرقات.

وإنه ليجب على علماء السنة وفقهم الله لكل خير وكثرهم الله أن يكشفوا للمسلمين عوار هذه المؤامرات الخبيثة المسيرة من قبل أعداء الإسلام لإثارة الفتن، وإني أذكر علماء السنة بقول الله عز وجل: ﴿إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون*? إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم(3).

ويقول تعالى: ﴿وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون(4).

وأنتم تعلمون أيها العلماء أن أغلب المجتمع المسلم جاهل ومتبرم من سوء أوضاع المسلمين، فإذا سمعوا هذا الهتاف وتلكم التوجعات من أوضاع المسلمين من إذاعة الرافضة تجاوبوا معها، ولا يبعد هذا، فقد تجاوب كثير من الناس للمختار بن أبي عبيد الثقفي، ومع الباطنية، وأقاموا دولة بالمغرب وهكذا تجاوبوا مع الملحدين العبيديين بمصر، ومع علي بن الفضل الباطني باليمن، وكم من كاذب يدعي النبوة فيستجيب له أناس ويجالدون معه بالسيوف، فالعامة هم أتباع كل ناعق، وإذا لم يقم العلماء بحراسة العقيدة والذب عنها وبيان ما الرافضة عليه من خبث العقيدة، فإن العامة لا يعرفون إلا الإسلام ولا يفرقون بين رافضي وسني، بل قد بلغ ببعضهم أنه لا يفرق بين العالم والمنجم، ولا بين الشيوعي والمسلم.

وأنتم تعلمون أن الرافضة في جميع العالم الإسلامي متربصون بكم الدوائر، وتعلمون ما حصل من الصراع بين الرافضة وأهل السنة، ولقد كانت قراءة البخاري ومسلم وسائر كتب السنة عندنا باليمن ممنوعة بل جريمة كبرى، فإياكم أن تخلدوا إلى الدنيا، وتظنوا أن المسألة سياسية أو أنه صراع بين إمام الضلالة الخميني والبعثي صدام حسين الملحد.

ولست أطالبك بأن تحمل سلاحك وتذهب تقاتل تحت لواء صدام حسين البعثي ولكن أطالبك ببيان ما الرافضة عليه من الخبث والكيد للإسلام والمسلمين. وأما نحن معشر اليمنيين فلعل الله دافع عن بلدنا بإقامة الفتنة بين الرافضة والبعثيين، فقد كان حزب البعث في اليمن قويا حتى ابتلى الله أسياده بالعراق بالرافضة، وهكذا الرافضة عندنا باليمن فقد كانوا رفعوا رءوسهم حتى شغل عنهم إمام الضلالة دجال العصر، فالحمد لله الذى دافع عن بلدنا، ونسأل الله أن يفرج عن إخواننا أهل السنة بالعراق وإخواننا أهل السنة الذين هم تحت السلطات الرافضية.

علماء السنة المعاصرون محتاجون أن يكتبوا عن عقائد الرافضة وعن مواقف الرافضة من السنة، ووقوفهم مع اليهود والنصارى، وقد قام أخونا في الله عبدالله محمد الغريب(5) بكتابة طيبة في كتابه «وجاء دور المجوس» فمثل هذا الكاتب لو صرف من الوقت في قراءة الجرائد والمجلات واستمع الراديو فإنه حفظه الله يقرأ ويكتب ما يحتاج إليه المجتمع، بخلاف كثير من جهلة الإخوان المسلمين، فإنهم عاكفون على الجرائد والمجلات والراديو، وما رأينا منهم ما ينفع المجتمع. ضيعوا أوقاتهم في هذا بدون طائل. والله المستعان.

_______________________

(1) سورة البقرة، الآية: 125.

(2) سورة البقرة، الآية: 158.

(3) سورة البقرة، الآية: 159-160.

(4) سورة آل عمران، الآية: 187.

(5) والثناء على صاحب كتاب ?وجاء دور المجوس? باعتبار حاله قبل قضية الخليج أما بعدها فإنه انتكس وتخبط وأصبح حزبيا، بل صار أتباعه أضر على أهل السنة من الإخوان المسلمين كما حدث منهم مع أهل السنة الأندنوسيين القائمين بجهاد النصارى، فأتباعه يحذرون التجار ومن مساعدة أهل السنة المجاهدين فحسبنا الله ونعم الوكيل.


 الإلحاد الخميني في أرض الحرمين
  • عنوان الكتاب: الإلحاد الخميني في أرض الحرمين
  • تاريخ الإضافة: 13 رجب 1426هـ
  • الزيارات: 646510
  • التحميلات: 24949
  • تفاصيل : الطبعة الثانية- دار الآثار/صنعاء
  • تنزيل: اضغط هنا للتنزيل  zip

فهرس الكتاب

تفريع الفهرس | ضم الفهرس