قال ابن القيم -رحمه الله- في «إغاثة اللهفان» (ج2 ص263): ولما انتهت النوبة إلى نصير الشرك والكفر الملحد وزير الملاحدة النصير الطوسي وزير هولاكو شفا نفسه من أتباع الرسول وأهل دينه، فعرضهم على السيف حتى شفا إخوانه من الملاحدة واشتفى هو فقتل الخليفة والقضاة والفقهاء والمحدثين، واستبقى الفلاسفة والمنجمين، والطبائعيين والسحرة، ونقل أوقاف المدارس والمساجد والربط إليهم وجعلهم خاصته وأولياءه، ونصر في كتبه قدم العالم وبطلان المعاد، وإنكار صفة الرب جل جلاله من علمه وقدرته، وحياته وسمعه وبصره، وأنه لا داخل العالم ولا خارجه، وليس فوق العرش إله يعبد البتة.
واتخذ للملاحدة مدارس ورام جعل إشارات إمام الملحدين ابن سينا مكان القرآن فلم يقدر على ذلك، فقال: هي قرآن الخواص، وذاك قرآن العوام، ورام تغيير الصلاة وجعلها صلاتين فلم يتم له الأمر، وتعلم السحر في آخر الأمر، فكان ساحرا يعبد الأصنام.
وصارع محمد الشهرستاني ابن سيناء في كتاب سماه «المصارعة» أبطل فيه قوله بقدم العالم وإنكار المعاد، ونفي علم الرب وقدرته وخلقه العالم، فقام له نصير الإلحاد وقعد، ونقضه بكتاب سماه «مصارعة المصارعة» -ووقفنا على الكتابين- نصر فيه: أن الله تعالى لم يخلق السموات والأرض في ستة أيام، وأنه لا يعلم شيئا، وأنه لم يفعل شيئا بقدرته واختياره، ولا يبعث من في القبور. وبالجملة فكان هذا الملحد هو وأتباعه من الملحدين الكافرين بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.
قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله- (ج14 ص83): صفة خروج المهدي الضال بأرض جبلة.
وفي هذه السنة خرجت النصيرية عن الطاعة، وكان من بينهم رجل سموه محمد بن الحسن المهدي القائم بأمر الله، وتارة يدعى علي بن أبي طالب فاطر السموات والأرض، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، وتارة يدعي أنه محمد ابن عبدالله صاحب البلاد وخرج يكفر المسلمين وأن النصيرية على الحق، واحتوى هذا الرجل على عقول كثير من كبار النصيرية الضلال وعين لكل إنسان منهم تقدمه ألف وبلادا كثيرة ونيابات، وحملوا على مدينة جبلة فدخلوها وقتلوا خلقا من أهلها، وخرجوا منها يقولون: لا إله إلا علي، ولا حجاب إلا محمد، ولا باب إلا سلمان، وسبوا الشيخين وصاح أهل البلد: واإسلاماه، واسلطاناه، واأميراه، فلم يكن لهم يومئذ ناصر ولا منجد، وجعلوا يبكون ويتضرعون إلى الله عز وجل فجمع هذا الضال تلك الأموال فقسمها على أصحابه وأتباعه قبحهم الله أجمعين، وقال لهم: لم يبق للمسلمين ذكر ولا دولة، ولو لم يبق معي سوى عشرة نفر لملكنا البلاد كلها، ونادى في تلك البلاد: أن المقاسمة بالعشر لا غير، ليرغب فيه وأمر أصحابه بخراب المساجد واتخاذها خمارات، وكانوا يقولون لمن أسره من المسلمين: قل لا إله إلا علي واسجد لإلهك المهدي الذي يحيي ويميت حتى يحقن دمك ويكتب لك فرمان، وتجهزوا وعملوا أمرا عظيما جدا فجردت إليهم العساكر فهزموهم، وقتلوا منهم خلقا كثيرا وجما غفيرا، وقتل المهدي أضلهم وهو يكون يوم القيامة مقدمهم إلى عذاب السعير كما قال تعالى: ﴿?ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد*? كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير﴾(1) الآية. اهـ
وهذه هي عقيدة النصيرية الذين غيروا نسبتهم في هذا الزمن إلى العلوية كذبا وتلبيسا على الناس، ولقد انتشرت هذه العقيدة الخبيثة الإلحادية في دولة الملحد حافظ أسد النصيري المتستر بالعلوية، نسأل الله أن يوفق علماء المسلمين لكشف أستار إلحاد هذه الطائفة، ونسأله سبحانه أن ينزل بهذه الطائفة الملعونة بأسه الذي لا يرد، إنه على كل شيء قدير.
ذكر الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في حوادث سنة أربع وأربعين وسبعمائة (ج14 ص211):
وفي صبيحة يوم الإثنين الحادي والعشرين منه قتل بسوق الخيل حسن بن الشيخ السكاكيني على ما ظهر منه من الرفض الدال على الكفر المحض، شهد عليه عند القاضي شرف الدين المالكي بشهادات كثيرة تدل على كفره وأنه رافضي جلد، فمن ذلك تكفير الشيخين -رضي الله عنهما-، وقذفه أم المؤمنين عائشة وحفصة -رضي الله عنهما-، وزعم أن جبريل غلط فأوحى إلى محمد وإنما كان مرسلا إلى علي وغير ذلك من الأقوال الباطلة القبيحة قبحه الله. وقد فعل وكان والده الشيخ محمد السكاكيني يعرف مذهب الرافضة والشيعة جيدا، وكانت له أسئلة على مذهب أهل الخير، ونظم في ذلك قصيدة أجابه فيها شيخنا الإمام العلامة شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، وذكر غير واحد من أصحاب الشيخ أن السكاكيني ما مات حتى رجع عن مذهبه وصار إلى قول أهل السنة فالله أعلم. وأخبرت أن ولده حسنا هذا القبيح كان قد أراد قتل أبيه لما أظهر السنة. اهـ
_______________________
(1) سورة الحج، الآية: 3-4.