فصل في طلب الشفاعة من المخلوق فيما يقدر عليه

117- قال الإمام أحمد -رحمه الله- (ج4 ص138): ثنا عثمان بن عمر أنا شعبة عن أبي جعفر قال: سمعت عمارة بن خزيمة يحدث عن عثمان بن حنيف أن رجلا ضرير البصر أتى النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقال: ادع الله أن يعافيني. قال: «إن شئت دعوت لك وإن شئت أخرت ذاك فهو خير» فقال: ادعه. فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه فيصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه فتقضي لي، اللهم شفعه في.

ثنا روح(1) قال: ثنا شعبة عن أبي جعفر المديني قال: سمعت عمارة بن خزيمة بن ثابت يحدث عن عثمان بن حنيف أن رجلا ضريرا أتى النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقال: يا نبي الله ادع الله أن يعافيني. فقال: «إن شئت أخرت ذلك فهو أفضل لآخرتك، وإن شئت دعوت لك» قال: لا بل ادع الله لي. فأمره أن يتوضأ وأن يصلي ركعتين وأن يدعو بهذا الدعاء: «اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي هذه فتقضى، وتشفعني فيه وتشفعه في.

قال: فكان يقول هذا مرارا، ثم قال بعد -أحسب أن فيها: أن تشفعني فيه- قال: ففعل الرجل فبرأ.

الحديث أخرجه الترمذي (ج5 ص226) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث أبي جعفر، وهو غير الخطمي.

وأخرجه ابن ماجه (ج1 ص441)، والبخاري في «التاريخ الكبير» (ج6 ص209-210) وذكر ما فيه من الاختلاف على أبي جعفر، فتارة يرويه عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن عثمان بن حنيف، وتارة عن أبي أمامة ابن سهل بن حنيف عن عمه (وهو عثمان بن حنيف).

وأخرجه ابن السني ص(234)، والحاكم (ج1 ص313) وقال: صحيح على شرطهما. وص(519) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وص(562) من طريق روح بن القاسم عن أبي جعفر الخطمي عن أبي أمامة ابن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف، وقال: صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه وسكت عليه الذهبي في الثلاثة المواضع.

:قال أبوعبدالرحمن: وقوله في ص(313): على شرطهما ليس كما قال فإن عمارة بن خزيمة: ليس من رجال الشيخين، وإنما هو من رجال أصحاب «السنن»، فالأولى التعبير بـ(صحيح) كما حكم عليه ص(519).

* قال الطبراني -رحمه الله- في «المعجم الصغير» (ج1 ص183): حدثنا طاهر بن عيسى بن قيرس المقري المصري التميمي حدثنا أصبغ بن الفرج حدثنا عبدالله بن وهب عن شبيب بن سعيد المكي عن روح بن القاسم عن أبي جعفر الخطمي المدني عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان ابن حنيف أن رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفان في حاجة له، فكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته، فلقي عثمان بن حنيف فشكا ذلك إليه، فقال له عثمان بن حنيف: ائت الميضأة فتوضأ، ثم ائت المسجد فصل فيه ركعتين ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي عز وجل ليقضي لي حاجتي، وتذكر حاجتك، ورح إلي حتى أروح معك. فانطلق الرجل فصنع ما قال عثمان له، ثم أتى باب عثمان بن عفان فجاء البواب حتى أخذ بيده فأدخله على عثمان بن عفان فأجلسه معه على الطنفسة، وقال: ما حاجتك؟ فذكر حاجته فقضاها له، ثم قال له: ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة. وقال له: ما كان لك من حاجة فائتنا، ثم إن الرجل خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف فقال له: جزاك الله خيرا، ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت حتى كلمته في، فقال عثمان ابن حنيف: والله ما كلمته ولكن شهدت رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأتاه ضرير فشكا عليه ذهاب بصره فقال له النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «أو تصبر؟» فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد وقد شق علي. فقال له النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «ايت الميضاة فتوضأ، ثم صل ركعتين، ثم ادع بهذه الدعوات». قال عثمان بن حنيف: فوالله ما تفرقنا وطال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضرر قط.

لم يروه عن روح بن القاسم إلا شبيب بن سعيد أبوسعيد المكي وهو ثقة، وهو الذي يحدث عنه ابنه أحمد بن شبيب عن أبيه عن يونس بن يزيد الأيلي، وقد روى هذا الحديث شعبة عن أبي جعفر الخطمي، واسمه عمير ابن يزيد وهو ثقة تفرد به عثمان بن عمر بن فارس عن شعبة، والحديث صحيح.

فوائد تتعلق بهذا الحديث:

الأولى: قول الترمذي -رحمه الله-: (إن أبا جعفر ليس بالخطمي) ليس بصحيح، قال شيخ الإسلام في «التوسل والوسيلة» ص(102): هكذا قال الترمذي، وسائر العلماء قالوا: هو أبوجعفر الخطمي وهو الصواب. اهـ

فعلى هذا فقول صاحب «صيانة الإنسان» ص(376): (إن الحديث ضعيف لأن في سنده عيسى بن أبي عيسى أبا جعفر الرازي التميمي) ليس بصحيح، بل الذي في السند: الخطمي، وهو عمير بن يزيد وهو ثقة كما تقدم عن الطبراني.

وقد اغتر صاحب «تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد» بقول الترمذي، وقال ص(244): إن في ثبوته نظرا لأن أبا جعفر لا يعرف. اهـ مختصرا.

وكذا الحافظ في «تهذيب التهذيب» في (الكنى) فقال: أبوجعفر عن عمارة بن خزيمة، وعنه شعبة، قال الترمذي: ليس هو الخطمي. وكذا في «التقريب»، فقال: أبوجعفر عن عمارة بن خزيمة، قال الترمذي: ليس هو الخطمي، فلعله الذي بعده.

وقد عرفت أنه الخطمي وأنه ثقة معروف.

الثانية: قول صاحب «صيانة الإنسان» ص(377): (إن في سند هذه الزيادة التي عند الطبراني روح بن صلاح وهو ضعيف، فمن أجل ذلك تضعف هذه الزيادة) ليس بصحيح، بل الذي في سندها روح بن القاسم كما جاء مصرحا به في «المعجم الصغير» للطبراني، ولكن تضعيف هذه الزيادة من حيث كونها تدور على شبيب بن سعيد، وحاصل كلام الذهبي في «الميزان» نقلا عن ابن عدي، وكلام الحافظ في «مقدمة الفتح» أن حديثه لا يصح إلا إذا كان من رواية ابنه أحمد عنه عن يونس بن يزيد الأيلي، وهذا ليس من روايته عن يونس(2) فمن أجل ذلك تضعف هذه الزيادة وتكون منكرة، والله أعلم.

الثالثة: هذا الحديث ليس فيه حجة للذين يدعون غير الله، لأن الأعمى إنما طلب من النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- الدعاء والشفاعة، وقوله: (يا محمد) نداء لحاضر فيما يقدر عليه وهو الدعاء والشفاعة، وإن كنت تريد المزيد راجعت «التوسل والوسيلة» لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- فقد جمع طرقه وتكلم عليه بما فيه كفاية، فجزاه الله خيرا.

118- قال أبوداود (ج5 ص94): حدثنا عبدالأعلى بن حماد ومحمد بن المثنى ومحمد بن بشار وأحمد بن سعيد الرياطي قالوا: حدثنا وهب بن جرير -قال أحمد: كتبناه من نسخته، وهذا لفظه- قال: حدثنا أبي قال: سمعت محمد ابن إسحاق يحدث عن يعقوب بن عتبة عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جده قال: أتى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أعرابي فقال: يا رسول الله جهدت الأنفس، وضاعت العيال ونهكت الأموال، وهلكت الأنعام، فاستسق الله لنا، فإنا نستشفع بك على الله ونستشفع بالله عليك. قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «ويحك أتدري ما تقول؟» وسبح رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه، ثم قال: «ويحك إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه، شأن الله أعظم من ذلك، ويحك أتدري ما الله؟ إن عرشه على سمواته لهكذا -وقال بأصبعه مثل القبة- عليه وإنه ليئط(3) به أطيط الرحل بالراكب».

قال ابن بشار في حديثه: «إن الله فوق عرشه، وعرشه فوق سمواته» وساق الحديث.

وقال عبدالأعلى وابن المثنى وابن بشار عن يعقوب بن عتبة وجبير بن محمد بن جبير عن أبيه عن جده، والحديث بإسناد أحمد بن سعيد هو الصحيح، وافقه عليه جماعة منهم: يحيى بن معين وعلي بن المديني، ورواه جماعة عن ابن إسحاق كما قال أحمد أيضا، وكان سماع عبدالأعلى وابن المثنى وابن بشار من نسخة واحدة فيما بلغني.

الحديث أخرجه عثمان بن سعيد الدارمي في «الرد على الجهمية» ص(19)، وابن خزيمة ص(103)، والبخاري في «التاريخ الكبير» (ج2 ص224)، والبيهقي في «الأسماء والصفات» ص(417) وقال ص(418): وهذا الحديث ينفرد به محمد بن إسحاق بن يسار عن يعقوب بن عتبة، وصاحبا الصحيح لم يحتجا به إنما استشهد مسلم بن الحجاج بمحمد بن إسحاق في أحاديث معدودة أظنهن قد رواهن غيره، وذكره البخاري في الشواهد ذكرا من غير رواية، وكان مالك بن أنس لا يرضاه، ويحيى بن سعيد القطان لا يروي عنه، ويحيى بن معين يقول: ليس هو بحجة. وأحمد ابن حنبل يقول: يكتب عنه هذه الأحاديث -يعني المغازي ونحوها- فإذا جاء الحرام والحلال أردنا قوما هكذا -يريد أقوى منه-. فإذا كان لا يحتج به في الحلال والحرام فأولى ألا يحتج به في صفات الله سبحانه وتعالى، وإنما نقموا عليه في روايته عن أهل الكتاب، ثم عن ضعفاء الناس وتدليسه أساميهم، فإذا روى عن ثقة وبين سماعه منهم فجماعة من الأئمة لم يروا به بأسا. وهو إنما روى هذا الحديث عن يعقوب بن عتبة، وبعضهم يقول: عنه وعن جبير بن محمد ولم يبين سماعه منهما، واختلف عليه في لفظه كما ترى اهـ المراد من «الأسماء والصفات».

وقال الحافظ الذهبي في «العلو» ص(39): هذا حديث غريب جدا فرد وابن إسحاق حجة في المغازي إذا أسند وله مناكير وعجائب، فالله أعلم أقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- هذا أم لا؟ وأما الله عز وجل فليس كمثله شيء جل جلاله، وتقدست أسماؤه ولا إله غيره.

إلى أن قال: ثم لفظ الأطيط لم يأت به نص ثابت. اهـ المراد من «العلو».

فكلام هذين الحافظين يدل على ضعف هذا الحديث، والله أعلم.

119- قال الإمام أحمد -رحمه الله- (ج3 ص178): ثنا يونس بن محمد ثنا حرب بن ميمون عن النضر بن أنس عن أنس قال: سألت نبي الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أن يشفع لي يوم القيامة، قال: قال(4): «أنا فاعل بهم» قال: فأين أطلبك يوم القيامة يا نبي الله؟ قال: «اطلبني أول ما تطلبني على الصراط» قال: قلت: فإذا لم ألقك على الصراط؟ قال: «فأنا عند الميزان» قال: قلت: فإن لم ألقك عند الميزان؟ قال: «فأنا عند الحوض، لا أخطئ هذه الثلاث مواطن يوم القيامة».

الحديث أخرجه الترمذي (ج4 ص42) وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.

فائدة: ذكر الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في «النهاية» (ج2 ص36) أن الحوض قبل الصراط، قال: وظاهر هذا الحديث يقتضي أن الحوض بعد الصراط، وكذلك الميزان، وهذا لا أعلم به قائلا، اللهم إلا أن يكون يراد بهذا الحوض حوضا آخر يكون بعد الجواز على الصراط كما جاء في بعض الأحاديث، ويكون ذلك حوضا ثانيا لا يذاد عنه أحد. والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ

_______________________

(1) روح: هو ابن عبادة.

(2) وهو في هذا الحديث من رواية ابن وهب عنه، ورواية ابن وهب عنه ضعيفة، وقد ذكر له البيهقي -كما في «التوسل والوسيلة» - متابعين: أحمد بن شبيب بن سعيد وأخاه إسماعيل. فتضعف الزيادة من أجل أنها ليست من رواية شبيب عن يونس. والله أعلم.

(3) الأطيط: صوت الأقتاب. أي أنه ليعجز عن حمله وعظمته، إذ كان معلوما أن أطيط الرحل بالراكب إنما يكون لقوة ما فوقه وعجزه عن احتماله. اهـ بتصرف من «النهاية».

(4) في «الترمذي»: (فقال: «أنا فاعل»)، وليس فيه (قال) الأولى ولا «بهم».

  العناوين الفرعية
 فصل


الشفاعة
  • عنوان الكتاب: الشفاعة
  • تاريخ الإضافة: 13 رجب 1426هـ
  • الزيارات: 654972
  • التحميلات: 20869
  • تفاصيل : الطبعة الثالثة دار الآثار للنشر والتوزيع
  • تنزيل: اضغط هنا للتنزيل  zip

فهرس الكتاب

تفريع الفهرس | ضم الفهرس

الشفاعة