الشفاعات الدنيوية منها ما هو مشروع، ومنها ما ليس بمشروع، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها وكان الله على كل شيء مقيتا﴾.
قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله-: وقوله تعالى: ﴿من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها﴾ أي من يسعى في أمر فيترتب عليه خير كان له نصيب من ذلك، ﴿ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها﴾ أي يكون عليه وزر من ذلك الأمر الذي ترتب على سعيه ونيته، كما ثبت في الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أنه قال: «اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء». اهـ المراد منه.
وقد جاءت السنة المطهرة ببيان ما يحل من الشفاعة وما يحرم.
223- قال البخاري -رحمه الله- (ج3 ص299): حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا عبدالواحد حدثنا أبوبردة(1) بن عبدالله بن أبي بردة حدثنا أبوبردة ابن أبي موسى عن أبيه -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إذا جاءه السائل أو طلبت إليه حاجة قال: «اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ما شاء».
الحديث أعاده البخاري (ج13 ص448) من طريق محمد بن العلاء حدثنا أبوأسامة عن بريدة. وأخرجه مسلم (ج4 ص2026)، وأبوداود (ج5 ص346)، والترمذي (ج4 ص148)، والنسائي (ج5 ص58)، وأحمد (ج4 ص413)، والحميدي (ج2 ص340)، والبيهقي (ج8 ص167)، والخرائطي في «مكارم الأخلاق» ص(75).
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وبريد يكنى أبا بردة أيضا، وهو كوفي ثقة في الحديث، روى عنه شعبة والثوري وابن عيينة.
كذا قال الترمذي وقد عرفت أنه بريد بن عبدالله بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري.
224- قال أبوداود -رحمه الله- (ج5 ص347): حدثنا أحمد بن صالح وأحمد بن عمرو بن السرح قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن وهب ابن منبه عن أخيه عن معاوية: اشفعوا تؤجروا فإني لأريد الأمر فأؤخره كيما تشفعوا فتؤجروا، فإن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «اشفعوا تؤجروا».
الحديث أخرجه النسائي (ج5 ص58)، والخرائطي في «مكارم الأخلاق» ص(75) ورجاله رجال الصحيح.
225- قال الإمام أحمد -رحمه الله- (ج2 ص184): ثنا عبدالصمد ثنا حماد -يعني ابن سلمة- ثنا محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: شهدت رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يوم حنين، وجاءته وفود هوازن، فقالوا: يا محمد إنا أصل وعشيرة فمن علينا من الله عليك، فإنه قد نزل بنا من البلاء ما لا يخفى عليك، فقال: «اختاروا بين نسائكم وأموالكم وأبنائكم».
قالوا: خيرتنا بين أحسابنا وأموالنا، نختار أبناءنا.
فقال: «أما ما كان لي ولبني عبدالمطلب فهو لكم، فإذا صليت الظهر فقولوا: إنا نستشفع برسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- على المؤمنين، وبالمؤمنين على رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في نسائنا وأبنائنا».
قال: ففعلوا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم».
وقال المهاجرون: ما كان لنا فهو لرسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-. وقالت الأنصار مثل ذلك.
وقال عيينة بن بدر: أما ما كان لي ولبني فزارة فلا.
وقال الأقرع بن حابس: أما أنا وبنو تميم فلا.
وقال عباس بن مرداس: أما أنا وبنو سليم فلا.
فقالت الحيان(2): كذبت، بل هو لرسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
فقال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «يا أيها الناس ردوا عليهم نساءهم وأبناءهم، فمن تمسك بشيء من الفيء فله علينا ستة فرائض من أول شيء يفيئه الله علينا».
ثم ركب راحلته وتعلق به الناس، يقولون: اقسم علينا فيئنا بيننا حتى ألجؤوه إلى سمرة فخطفت رداءه.
فقال: «يا أيها الناس ردوا علي ردائي، فوالله لو كان لكم بعدد شجر تهامة نعم لقسمته بينكم، ثم لا تلفوني بخيلا ولا جبانا ولا كذوبا».
ثم دنا من بعيره فأخذ وبرة من سنامه فجعلها بين أصابعه السبابة والوسطى، ثم رفعها، فقال: «يا أيها الناس ليس لي من هذا الفيء [ولا هذه الوبرة](3) إلا الخمس والخمس مردود عليكم، فردوا الخياط والمخيط فإن الغلول يكون على أهله يوم القيامة عارا ونارا وشنارا».
فقام رجل معه كبة من شعر، فقال: إني أخذت هذه أصلح بها بردعة بعير لي دبر. قال: «أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لك».
فقال الرجل: يا رسول الله أما إذا بلغت ما أرى فلا أرب لي ونبذها.
الحديث أخرجه أحمد (ج2 ص218)، وابن إسحاق كما في «سيرة ابن هشام» (ج2 ص489). وعند أحمد في الموضع الثاني، وعند ابن هشام تصريح ابن إسحاق بالتحديث، ولكنه ينتهي عند قوله: «فردوا على الناس أبناءهم ونساءهم» وبقيته عند ابن إسحاق بدون سند، فتمام الحديث بسند أحمد ضعيف لعنعنة ابن إسحاق، وما في «سيرة ابن إسحاق» لأنه لم يسق سنده فهو معضل.
226- قال البخاري -رحمه الله- (ج9 ص408): حدثني محمد(4) أخبرنا عبدالوهاب حدثنا خالد عن عكرمة عن ابن عباس أن زوج بريرة كان عبدا يقال له: مغيث كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي ودموعه تسيل على لحيته، فقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لعباس: «يا عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة، ومن بغض بريرة مغيثا؟» فقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «لو راجعته» قالت: يا رسول الله تأمرني؟ قال: «إنما أنا أشفع» قالت: لا حاجة لي فيه.
الحديث أخرجه أبوداود (ج2 ص671)، والنسائي (ج8 ص265)، وابن ماجة (ج1 ص671)، وأحمد (ج1 ص215).
227- قال ابن ماجه -رحمه الله- (ج1 ص635): حدثنا هشام بن عمار ثنا معاوية بن يحيى ثنا معاوية بن يزيد(5) عن يزيد عن أبي حبيب عن أبي الخير(6) عن أبي رهم قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «من أفضل الشفاعة أن يشفع بين الاثنين في النكاح».
قال المعلق في «الزوائد»: هذا إسناد مرسل، أبورهم هذا اسمه أحزاب بن أسيد بفتح الهمزة وقيل بضمها، قال البخاري: هو تابعي، وقال أبوحاتم ليست له صحبة.
_______________________
(1) أبوبردة: هو بريد بن عبدالله بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، وفي الأصل: (أبوبريدة) وكذا في الطبعة الحلبية مع «الفتح» (ج4 ص42)، وفي الطبعة السلطانية: (أبوبردة)، وفي الهامش: أبوبردة هكذا التي بأيدينا. وقال القسطلاني: أبوبريدة. اهـ.وما في الطبعة السلطانية هو الصحيح، فهو أبوبردة، واسمه: (بريد)، تصغير: (برد).
(2) كذا، وفي «المسند» (ج2 ص218)، وفى «سيرة ابن هشام» (ج2 ص 492)، و«البداية» (ج4 ص 353): (فقالت بنوسليم: لا ما كان لنا فهو لرسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، قال: يقول عباس: يا بني سليم وهنتموني).
(3) في «المسند» بدل ما بين المعكوفين كلام غير مفهوم. لذا نقلناه من «سيرة ابن هشام» (ج2 ص492).
(4) قال الحافظ في «الفتح»: محمد هو ابن سلام، على ما بينته في «المقدمة».وقد أخرجه النسائي عن محمد بن بشار، وابن ماجة عن محمد بن المثنى ومحمد بن خلاد الباهلي قالوا: حدثنا عبدالوهاب الثقفي. وابن بشار وابن المثنى من شيوخ البخاري فيحتمل أن يكون المراد أحدهما.
(5) معاوية بن يزيد: هو معاوية بن سعيد. وهم هشام بن عمار فقال: معاوية بن يزيد كما في «تهذيب التهذيب».
(6) أبوالخير: هو مرثد بن عبدالله اليزني.
العناوين الفرعية | |
فصل ما لا تحل الشفاعة فيه |
فهرس الكتاب |
|
|