سكنى المدينة والموت بها

173- قال الإمام مسلم -رحمه الله- (ج2 ص1002): وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي سعيد مولى المهري أنه جاء أبا سعيد الخدري ليالي الحرة فاستشاره في الجلاء من المدينة، وشكا إليه أسعارها وكثرة عياله، وأخبره أن لا صبر له على جهد المدينة ولأوائها، فقال له: ويحك لا آمرك بذلك، إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: «لا يصبر أحد على لأوائها فيموت إلا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة إذا كان مسلما».

الحديث أخرجه الإمام أحمد (ج3 ص29، 58، 69).

174- وقال مسلم -رحمه الله- (ج2 ص1004): حدثني زهير بن حرب حدثنا عثمان بن عمر أخبرنا عيسى بن حفص بن عاصم حدثنا نافع عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: «من صبر على لأوائها كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة».

الحديث أخرجه الترمذي (ج5 ص377)، وأحمد (ج2 ص155)، وابن حبان كما في «الموارد» ص(255)، وقال الترمذي: هذا حديث صحيح غريب.

* وقال مسلم -رحمه الله- (ج2 ص1004): حدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن قطن بن وهب بن عويمر بن الأجدع عن يحنس مولى الزبير أخبره أنه كان جالسا عند عبدالله بن عمر في الفتنة(1)، فأتته مولاة له تسلم عليه، فقالت: إني أردت الخروج يا أبا عبدالرحمن اشتد علينا الزمان. فقال لها عبدالله: اقعدي لكاع، فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: «لا يصبر على لأوائها وشدتها أحد إلا كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة».

وحدثنا محمد بن رافع حدثنا ابن أبي فديك أخبرنا الضحاك عن قطن الخزاعي عن يحنس مولى مصعب عن عبدالله بن عمر قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: «من صبر على لأوائها وشدتها كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة» يعني المدينة.

الحديث أخرجه مالك في «الموطأ» (ج3 ص83) وأحمد (ج2 ص113، 119، 133).

175- قال مسلم -رحمه الله- (ج2 ص1004): وحدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر جميعا عن إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبدالرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «لا يصبر على لأواء المدينة وشدتها أحد من أمتي إلا كنت له شفيعا يوم القيامة أو شهيدا»

وحدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان عن أبي هارون موسى بن أبي عيسى أنه سمع أبا عبدالله القراظ يقول: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بمثله.

وحدثنا يوسف بن عيسى حدثنا الفضل بن موسى أخبرنا هشام بن عروة عن صالح بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «لا يصبر أحد على لأواء المدينة...» بمثله.

الحديث أخرجه الترمذي (ج5 ص379)، وأحمد (ج2 ص288، 388، 343، 397، 439، 447)، والحميدي (ج2 ص492) والبخاري في «التاريخ الكبير» (ج4 ص283، 284).

وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وصالح بن أبي صالح أخو سهيل بن أبي صالح.

176- قال الإمام أحمد -رحمه الله- (ج6 ص369): ثنا يعقوب قال: حدثني أبي عن الوليد بن كثير قال حدثني عبدالله بن مسلم الطويل صاحب المصاحف أن كلاب بن تليد أخا بني سعد بن ليث أنه بينا هو جالس مع سعيد بن المسيب جاءه رسول نافع بن جبير بن مطعم بن عدي يقول: إن ابن خالتك يقرأ عليك السلام ويقول: أخبرني كيف الحديث الذي كنت حدثتني عن أسماء بنت عميس، فقال سعيد بن المسيب: أخبره أن أسماء بنت عميس أخبرتني أنها سمعت رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: «لا يصبر على لأواء المدينة وشدتها أحد إلا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة».

الحديث في سنده كلاب بن تليد: قال الذهبي في «الميزان»: روى عن سعيد بن المسيب لا يكاد يعرف، وقد وثق، تفرد عنه عبدالله بن مسلم. اهـ

ولعله يعنى بقوله: (وثق) أنه وثقه ابن حبان كما في «تهذيب التهذيب»، وابن حبان معروف بتوثيق المجاهيل، كما في مقدمة «لسان الميزان».

وفيه أيضا عبدالله بن مسلم: قال الذهبي في «الميزان»: ما روى عنه سوى الوليد بن كثير في الصبر على لأواء المدينة.

فعلى هذا فالحديث ضعيف من أجل هذين الراويين، والله أعلم.

177- قال ابن حبان -رحمه الله- كما في «موارد الظمآن» ص(255): حدثنا ابن قتيبة حدثنا حرملة حدثنا ابن وهب أنبانا يونس عن ابن شهاب عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة عن الصميتة امرأة من بني ليث سمعها تحدث صفية بنت أبي عبيد أنها سمعت رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: «من استطاع منكم ألا يموت إلا بالمدينة فليمت بها، فإنه من يمت بها يشفع له أو يشهد له».

الحديث على شرط مسلم، وابن قتيبة شيخ ابن حبان: هو محمد بن الحسن بن قتيبة، وصفه الذهبي في «التذكرة» بالثقة والحفظ(2).

وعزا الحافظ حديثها في «الإصابة» إلى النسائي وابن أبي عاصم.

178- قال الترمذي -رحمه الله- (ج5 ص377): حدثنا بندار أخبرنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها، فإني أشفع لمن يموت بها».

وفي الباب عن سبيعة بنت الحارث الأسلمية.

هذا حديث حسن صحيح من هذا الوجه من حديث أيوب السختياني.

الحديث أخرجه ابن حبان كما في «الموارد» ص(255)، وأحمد (ج2 ص74، 104).

وهذا الحديث له علة لكنها غير قادحة، كما في «الصارم المنكي» ص(538).

179- قال أبونعيم في «أخبار أصبهان» (ج2 ص103): أخبرنا عبيدالله بن يحيى بن محمد فيما أذن لنا وأجاز لي، وحدثني عنه علي بن محمد الفقيه ثنا محمد بن نصر الصائغ ثنا إسماعيل بن أبي أويس ثنا الدراوردي عن أسامة بن زيد عن عبدالله بن عكرمة عن عبدالله بن عبدالله بن عمر بن الخطاب عن أبيه عن سبيعة الأسلمية أن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «من استطاع منكم أن يموت بالمدينة فليمت، فإنه لا يموت بها أحد إلا كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة».

الحديث قال المنذري في «الترغيب والترهيب» (ج2 ص224): رواه الطبراني في «الكبير»، ورواته محتج بهم في الصحيح إلا عبدالله بن عكرمة، روى عنه جماعة ولم يجرحه أحد، وقال البيهقي: هو خطأ، وإنما هو عن صميتة كما تقدم. اهـ

:قال أبوعبدالرحمن: قول الحافظ المنذري: (ورواته محتج بهم في الصحيح) فيه نظر، فأسامة بن زيد: هو الليثي، قال ابن القطان الفاسي: لم يحتج به مسلم، وإنما أخرج له استشهادا. اهـ من «تهذيب التهذيب».

فعلى هذا فلا يقال: إنه محتج به في الصحيح، إذ البخاري لم يخرج له إلا تعليقا، ومسلم في الشواهد.

والدراوردي هو عبدالعزيز بن محمد، روى له البخاري مقرونا وروى له أحاديث يسيرة، أفرده، لكنه أوردها بصيغة التعليق في المتابعات، واحتج به بقية الستة كما في «مقدمة الفتح».

وإذا احتج به مسلم فليس معناه أنه يحتج به في كل حديثه، فإن الشيخين رحمهما الله ينتقيان من حديث المحدث المتكلم فيه ما ثبت لديهما، كما ذكره النووي -رحمه الله- في مقدمة «شرح صحيح مسلم» فأخشى أن يكون وهم فيه وأنه حديث صميتة المتقدم كما قال البيهقي -رحمه الله-، لا سيما والراوي عنه إسماعيل بن أبي أويس. وقد قال الحافظ في «مقدمة الفتح» بعد أن ذكر ما قيل فيه: وإن البخاري انتقى من حديثه فعلى هذا لا يحتج بشيء من حديثه غير ما في الصحيح من أجل ما قدح فيه النسائي وغيره، إلا إن شاركه غيره فيعتبر فيه. اهـ

180- قال مسلم -رحمه الله- (ج2 ص992): حدثنا أبوبكر بن أبي شيبة حدثنا عبدالله بن نمير (ح) وحدثنا ابن نمير حدثنا أبي حدثنا عثمان بن حكيم حدثني عامر بن سعد عن أبيه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «إني أحرم ما بين لابتي(3) المدينة، أن يقطع عضاهها، أو يقتل صيدها، وقال: المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، لا يدعها أحد رغبة عنها إلا أبدل الله فيها من هو خير منه، ولا يثبت أحد على لأوائها وجهدها إلا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة».

وحدثنا ابن أبي عمر حدثنا مروان بن معاوية حدثنا عثمان بن حكيم الأنصاري أخبرني عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: -ثم ذكر مثل حديث ابن نمير وزاد في الحديث: - «ولا يريد أحد أهل المدينة بسوء إلا أذابه الله في النار ذوب الرصاص، أو ذوب الملح في الماء».

الحديث أخرجه أحمد (ج1 ص181).

181- قال الطبراني -رحمه الله- في «المعجم الكبير» (ج4 ص153): حدثنا أبوخليفة الفضل بن الحباب ثنا علي بن المديني ثنا عاصم بن عبدالعزيز الأشجعي ثنا سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ عن أفلح مولى أبي أيوب الأنصاري أنه مر بزيد بن ثابت وأبي أيوب وهما قاعدان عند مسجد الجنائز، فقال أحدهما لصاحبه: تذكر حديثا حدثناه رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في هذا المجلس الذي نحن فيه؟ قال: نعم، عن المدينة سمعته، وهو يزعم أنه «سيأتي على الناس زمان يفتح فيه فتحات الأرض، فيخرج إليها رجال يصيبون رخاء وعيشا وطعاما، فيمرون على إخوان لهم حجاجا أو عمارا، فيقولون: ما يقيمكم في لأواء العيش وشدة الجوع؟ قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: فذاهب وقاعد -حتى قالها مرارا- والمدينة خير لهم، لا يثبت بها أحد فيصبر على لأوائها وشدتها حتى يموت، إلا كنت له يوم القيامة شهيدا أو(4) شفيعا».

الحديث قال الحافظ المنذري في «الترغيب والترهيب» (ج2 ص223): رواه الطبراني في «الكبير» بإسناد جيد ورواته ثقات.

وقال الهيثمي في «المجمع» (ج3 ص300): رواه الطبراني في «الكبير» ورجاله ثقات.

:قال أبوعبدالرحمن: الحديث في سنده عاصم بن عبدالعزيز الأشجعي: قال الذهبي -رحمه الله- في «الميزان»: قال النسائي والدارقطني: ليس بالقوي. وقال البخاري: فيه نظر. ثم قال الذهبي: قلت: روى عنه علي بن المديني، ووثقه معن القزاز. اهـ

فقول البخاري -رحمه الله-: (فيه نظر) من أردى صيغ الجرح، فعلى هذا فالحديث ضعيف. والله أعلم.

182- قال البزار -رحمه الله- كما في «كشف الأستار» (ج2 ص51): حدثنا الفضل بن سهل ومحمد بن عبدالرحيم قالا: ثنا الحسن بن موسى ثنا سعيد ابن زيد عن عمرو بن دينار عن سالم عن أبيه عن عمر قال: غلا السعر بالمدينة، واشتد الجهد، فقال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «اصبروا وأبشروا فإني قد باركت على صاعكم ومدكم، فكلوا ولا تفرقوا فإن طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الخمسة والستة، وإن البركة في الجماعة، فمن صبر على لأوائها وشدتها كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة، ومن خرج عنها رغبة عما فيها، أبدل الله به من هو خير منه فيها، ومن أرادها بسوء أذابه الله كما يذوب الملح في الماء».

قال البزار: لا نعلمه عن عمر إلا من هذا الوجه، تفرد به عمرو بن دينار وهو لين، وأحاديثه لا يشاركه فيها أحد، قد روى عنه جماعة.

:قال أبوعبدالرحمن: عمرو بن دينار هو قهرمان آل الزبير، قال أحمد: ضعيف. وقال البخاري: فيه نظر. وقال ابن معين: ذاهب، وقال مرة: ليس بشيء. وقال النسائي: ضعيف. اهـ من «ميزان الاعتدال».

183- قال الطبراني -رحمه الله- (ج6 ص239): حدثنا الحسن بن علي الفسوي ثنا خلف بن عبدالحميد السرخسي ثنا أبوالصباح عبدالغفور بن سعيد الأنصاري عن أبي هاشم الرماني عن زاذان عن سلمان عن نبي الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، وذكر أحاديث، ثم قال: وبإسناده عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أنه قال: «من مات في أحد الحرمين استوجب شفاعتي، وكان يوم القيامة من الآمنين».

قال الهيثمي في «المجمع» (ج2 ص319): رواه الطبراني في «الكبير» وفيه عبدالغفور بن سعيد، وهو متروك.

_______________________

(1) وهي وقعة الحرة التي وقعت زمن يزيد.

(2) وهناك ابن قتيبة آخر اسمه عبدالله بن مسلم صاحب كتاب «تأويل مختلف الحديث».

(3) اللابة: هي الحرة. والحرة هي الأرض ذات الحجارة السود، والمراد تحريم المدينة.

(4) (أو) هنا تحتمل أن تكون للشك من الراوي، أو للتقسيم والتنويع، والمتعين الثاني لأن الحديث وارد عن جماعة من الصحابة.


الشفاعة
  • عنوان الكتاب: الشفاعة
  • تاريخ الإضافة: 13 رجب 1426هـ
  • الزيارات: 654983
  • التحميلات: 20870
  • تفاصيل : الطبعة الثالثة دار الآثار للنشر والتوزيع
  • تنزيل: اضغط هنا للتنزيل  zip

فهرس الكتاب

تفريع الفهرس | ضم الفهرس

الشفاعة