أسئلة الشباب السوداني

الحمد لله الذي جعل العلماء نبراسا للهدى، ومفتاحا للسراج، لينيروا لنا الطريق ويجددوا لنا سنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، وينقحوا لنا الأحاديث، فنسأل الله أن يبيض وجوههم يوم الحساب.

ومن بين هؤلاء العلماء الذين أمرنا الله بسؤالهم لقوله تعالى: ﴿فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون(1)، فضيلة الشيخ العلامة مقبل بن هادي الوادعي، الذي أصبح علما نبراسا في نشر السنة، وسلاحا فتاكا على البدعة والحزبية، نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا، ولذلك قررنا عرض بعض أقوال أهل العلم على شيخنا، ليبين لنا هذه الإشكالات التي أشكلت علينا، نسأل الله أن يجعل الصواب دربه، والشرع ميزانه.

السؤال186: قال بعض أهل العلم: ننصح المبتدئين في العقيدة بقراءة «العقيدة الواسطية»، وفي الفقه على حسب مذهب البلد، إن كان حنبليا ففي «زاد المستقنع»، وان كان شافعيا، أو مالكيا، فما شابه هذه الكتب، فما هي كيفية دراسة علم الفقه، وما هي الكتب التي تنصح بدراستها، ومن هو العالم الذي غالب أقواله من الكتاب والسنة، في أمور الفقه؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. أما بعد:

فالنصيحة بقراءة «العقيدة الواسطية» نصيحة مقبولة، لأنها آية قرآنية، وحديث نبوي، فهي و«القول المفيد في أدلة التوحيد» للشيخ محمد بن عبدالوهاب العبدلي، يعتبران من أحسن الكتب فيما يتعلق بالعقيدة، و«العقيدة الواسطية» فيها توحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، فهو كتاب نفيس، فجزى الله شيخ الإسلام خيرا على تأليفه.

أما الرجوع إلى «زاد المستقنع»، فأرى أن يرجع إلى كتاب الله، وإلى سنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، ونبينا محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول في حجة الوداع في حديث جابر كما في «صحيح مسلم»: «إني تارك فيكم ما إن اعتصمتم به لن تضلوا كتاب الله».

وفي «صحيح مسلم» من حديث زيد بن أرقم يقول: «إني تارك فيكم ثقلين، أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به -فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: - وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي».

ورب العزة يقول في كتابه الكريم: ﴿اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون(2)، ويقول أيضا: ﴿ولا تقف ما ليس لك به علم(3)، ويقول أيضا: ﴿وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا(4).

ونبينا محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: «ذروني ماتركتكم، فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم»، وفي الحديث نفسه: «ولكن ما نهيتكم عنه فانتهوا، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم».

فديننا آية قرآنية وحديث نبوي، وتمر بك عبارات في الحيض والطلاق في «زاد المستقنع» ربما تشغلك، ليس عليها دليل من الكتاب والسنة فهي تعتبر فرضيات. دع عنك أنه يحتاج منك إلى جهد طويل، وربما تحفظ القرآن في سنة واحدة ثم تحفظ ما استطعت من سنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، وتعرف صحيح السنة من سقيمها، ومعلولها من سليمها.

وفرق كبير وبون شاسع، بين كتاب ربنا، وسنة نبينا محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وبين عبارات «زاد المستقنع» أو غيره من كتب الفقه، ورب العزة يقول في كتابه الكريم: ﴿ولقد يسرنا القرءان للذكر فهل من مدكر(5).

ويقول نبينا محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «بعثت بالحنيفية السمحة»، ويقول: «إن هذا الدين يسر».

فالعلم ميسر، واختلافات العلماء هي التي شغلت طلاب العلم عن الكتاب والسنة، بل صيرتهم شيعا وأحزابا، ولقد أحسن من قال:

لولا التنافس في الدنيا لما وضعت كتب التناظر لا المغني ولا العمد

يحللون بزعم منهم عقـدا وبالذي وضعوه زادت العقد

وهذه المدرسة المباركة نفع الله بها في مدة يسيرة، بسبب أنها أقبلت على كتاب الله، وسنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وقد تكلمنا في «إقامة البرهان، على ضلال عبدالرحيم الطحان» بشيء مما ورد في ذم التقليد.

والدين يؤخذ من كتاب الله ومن سنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-. وأما قول فلان وفلان، واختلافهم، إن كنت شافعيا فهذا حلال لك، وإن كنت حنبليا أو حنفيا فلا يجوز لك، فهذا دليل على أن هذه المذاهب قد دخلها الدخيل، ورب العزة يقول في كتابه الكريم: ﴿ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا(6).

فكتاب ربنا وسنة نبينا محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ليس فيهما اختلاف، والاختلاف في أفهام أهل العلم، وأهواء بعض أهل العلم.

وأما العالم الذي غالب أقواله من الكتاب والسنة، فهو مثل الإمام البخاري، والإمام أحمد بن حنبل، وابن حزم على دخن فيه في العقيدة، وابن القيم، ومحمد بن إسماعيل الأمير، والشوكاني، ويوجد بحمد الله علماء غالب أقوالهم من الكتاب والسنة، وتطمئن النفس بهم، وانتفع بهم المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها.

السؤال187: الذي نراه أن قيام الأحزاب خطأ، لكن إذا اضطر الإنسان لذلك مثل أن يكون في بلد لا بد من قيام الأحزاب، فلا بأس أن يكون حزبا ضد هذه الأحزاب المخالفة للإسلام، ونحن كما نعلم الحزبيات محرمة ولكن نريد تفصيلا وبرهانا وحجة على ذلك؟

الجواب: قبل هذا أنصح أهل العلم أن يتقوا الله سبحانه وتعالى، وألا يفتوا إلا بآية قرآنية أو حديث نبوي، فما ضل المعتزلة إلا بسبب اعتمادهم على الرأي، يقول الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿ياأيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما(7)، ويقول أيضا: ﴿ياأيها الذين ءامنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا(8)، ويقول أيضا: ﴿وإذا قلتم فاعدلوا(9).

والفتوى بالرأي وعدم التثبت تعتبر من أكبر الكبائر: ﴿قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون(10).

والمفتي يعتبر موقعا عن الله عز وجل، لأن الناس لا يسألونه عن رأيه، ولكن يسألونه عن كتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فواجب عليه أن يتحرى الصواب، وأن يبتعد عن مجاراة المجتمع، فماذا حدث للبنان بسبب الحزبية، وماذا حدث لأفغانستان بسبب الحزبية، وماذا حدث للسودان بسبب الحزبية، ينبغي أن نعتبر، فإن السعيد من اعتبر بغيره، وما جاءت الحزبية في كتاب الله إلا على سبيل الذم: ﴿فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون(11).

والمسلمون كلهم يجب أن يكونوا حزبا واحدا: ﴿واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا(12)، ويقول: ﴿إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون(13).

وفي بلاد الإسلام والمسلمين يسمح للشيوعي أن يتبجح بشيوعيته ويقول: أنا حزب اشتراكي، ويسمح للبعثي أن يتبجح ببعثيته ويقول: أنا حزب بعثي، ويسمح للناصري أن يتبجح بحزبيته ويقول: أنا حزب ناصري، دع عنك حزب الوفد، وحزب العمل بمصر، ومن هذه الأباطيل.

والنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: «لا يجتمع دينان في جزيرة العرب»، ويقول: «أخرجوا اليهود من جزيرة العرب».

فكيف نسمح للشيوعي، والبعثي، والناصري أن يقيم حزبا، ثم بعد ذلك يدلي برأيه، وتوزع الحكومة، فالبعثي له وزارة، والاشتراكي له وزارة، وهكذا الناصري، وفي مصر حزب الوفد والعمل، فهو تخطيط أمريكي ليشتتوا شمل المسلمين، ويضعفوا قواهم.

روى أبوداود في «سننه» من حديث محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «افترقت اليهود على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة».

وزاد في حديث معاوية وهو في «سنن أبي داود» و«مسند أحمد»: «كلها في النار إلا فرقة»، قالوا: فمن هي يا رسول الله؟ قال: «الجماعة» .

فهل أذن لنا الله بهذا التفرق، وهل كان هناك أحزاب في زمن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وفي زمن الخلفاء الراشدين، وبني أمية، وبني العباس، وزمن الخلافة العثمانية، ولعله حصل في آخر الخلافة العثمانية.

فهذا تقليد لأعداء الإسلام، يقول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «لتتبعن سنن من قبلكم، حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه».

فالصحيح أن الحزبية تعتبر باطلة، وأنه لا يجوز لمسلم أن يدخل في الحزبية، بل نحن وجميع المسلمين من حزب الله إن شاء الله.

وبعد ذلك ما الذي يتوقع من هذه الحزبيات، كل حزب يؤهل نفسه للوثوب على السلطة، قتل وقتال، وفتن كما هو مشاهد.

فنحن نبرأ إلى الله، ونعوذ بالله من الحزبية، وإنني أحمد الله سبحانه وتعالى فقد أصبح الناس يكرهون هذه الحزبيات، ولا يريدون إلا الكتاب والسنة، ومن دعا إلى الحزبية سقط من أعينهم، وماذا عمل الحزبيون للإسلام؟، الاعتراف بأعداء الإسلام، والمساومة بالإسلام، وهذا هو الذي حدث وحصل.

السؤال188: أرى من الواجب الدخول في الانتخابات، وأنه لا يجوز لأهل الخير أن يتخلوا عنها، لأنهم إذا تخلوا عنها، دخل فيها من لا خير فيه، ولأن وجود أهل الخير في المجالس الحكومية فيه خير، لأنه سيكون لهم رأي يرشدون به في هذه المجالس، فما رأيكم في الانتخابات، وكيف الرد على من يقول بجوازها من الكتاب والسنة، وما الدليل على تحريمها؟

الجواب: يقول رب العزة في كتابه الكريم: ﴿أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون(14).

والعالم الفاضل، والخمار، والشيوعي، صوتهم واحد، يقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ﴿أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين ءامنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون(15)، ويقول سبحانه وتعالى: ﴿أم نجعل الذين ءامنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار(16)، ويقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ﴿وليس الذكر كالأنثى(17).

فصاحب الفضيلة صوته كصوت المرأة الفاجرة، ويقول سبحانه وتعالى: ﴿تلك إذا قسمة ضيزى(18) حين جعلوا الملائكة بنات الله، ولهم أنفسهم الذكران.

وهل كانت الانتخابات على عهد رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أو على عهد أبي بكر وعمر، أم الدولة الأموية والعباسية، وهكذا.

وقد انتهى ببعضهم الحال في التصويت في بلاد الكفر على إباحة اللواط، وأن يتزوج الرجل بالرجل، وعلى إباحة الخمر، والبنوك الربوية. وكل شيء يمكن أن يجري تحت التصويتات والانتخابات، ورب العزة يقول في كتابه الكريم: ﴿أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون(19).

فأنت مطالب بالاستقامة، والله سبحانه وتعالى يقول لنبيه محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ﴿فاستقم كما أمرت(20)، ويقول أيضا: ﴿فاستقيموا إليه(21).

فنحن مأمورون بالاستقامة على الكتاب والسنة، يقول سبحانه وتعالى: ﴿ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا(22).

وما هي عاقبة الانتخابات في أفغانستان؟ وما هي ثمرات الانتخابات في كثير من البلاد الإسلامية؟ وأعظم من هذا أن الانتخابات وسيلة إلى الديمقراطية، وهذا الكلام ليس موجها إلى إخواننا السودانيين، فلا يطالبني أحد بالكلام بعد أيام على الانتخابات، فإنني قد تعبت وتكلمت على الانتخابات في كتاب «المصارعة» وفي «فتوى في وحدة المسلمين مع الكفار» وفي «قمع المعاند»، وفي «غارة الأشرطة على أهل الجهل والسفسطة» وكلها مطبوعة بحمد الله.

فلعل الإخوة السودانيين لم تبلغهم الكتب والأشرطة، أما أن تأتي الانتخابات في اليمن ثم يقول القائل: نحن نريد أن تتكلم في الانتخابات؟ فأقول له:

غزلت لهم غزلا نسيجا فلم أر لغزلي نساجا فكسرت مغزلي

وأهل السنة بحمد الله يطالبون المسئول أن يكون مسلما، لا يؤمن بديمقراطية، ويصلي، ونحن لا نريد أن نأتي بغيره، نريد حاكما مسلما. ونقول للمسئولين: أصلحوا شأنكم واستقيموا، ونحن لا نريد كراسيكم، بل استقيموا على الكتاب والسنة.

وأقول: يجب على المستفتي ألا يكون حاطب ليل تقول: قد قال الشيخ فلان كذا، وقال الشيخ فلان كذا، بل تتثبت من دينك، فقد كان الرجل يأتي إلى النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ويسأله ويقول له: يا محمد إني سائلك فمشدد عليك في المسألة، فلا تجد علي في نفسك.

ولو كنا مقلدين لقلدنا أبا بكر الصديق، وعلي بن أبي طالب، وأحمد بن حنبل، فإنهم أجل في نفوسنا من عالم عصري.

وأريد من الأخ المستفتي أن يكون متثبتا من دينه، وتسأل هذا وهذا عن الدليل، وإذا رأيت الشيخ يغضب ويقول: أنت لا تثق بكلامي، كما كان يفعل علوي مالكي إذا جاءه أحد وسأله عن الدليل، قال: أنت مذهب خامس، قم من عندي، فقم من عنده، واسأل غيره. فالعالم يصيب ويخطئ، ويجهل ويعلم، وربما يجامل المجتمع ويهاب المجتمع، فما أكثر العلماء في اليمن الذين يعرفون أننا على حق ويغبطوننا على ما نحن عليه، ومع هذا فإذا طلب منهم التصويت ذهبوا وهم كارهون، وهم علماء أفاضل جزاهم الله خيرا، وربما نتكلم عليهم بكلام قاس، ولا يدخل في نفوسهم، ولا يغضبون لأنهم يعرفون أن الدافع هو الدين.

أما أصحاب الرد فهم أصحاب الحزبية المعقدة، الذي لو أتيته بآية وحديث يقول لك: هو حزب عالمي لا يستطيع الفرد أن يتصرف فيه.

فأقول: وهل أنت مربوط مع هذا الحزب، أم ستسأل في قبرك وحدك. فأحذر الأخوة عن التقليد، وقد تكلمنا عليه قبل، وكذلك التقليد لعالم عصري، اسأله عن الدليل، واسأل عالما غيره وغيره، كما فعل سلمان الفارسي ينتقل من بلدة إلى بلدة، ومن شخص إلى شخص حتى انتهى به الحال لما علم الله صدق نيته أن صار من أصحاب محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.

السؤال189: ما الفرق بين اختيار الإمام أعني إمام المسلمين، وانتخابات هذه الأيام، لأن بعض الناس يلبس على الناس، وعلى طلبة العلم، بأنه لا فرق؟

الجواب: إمام المسلمين إما أن يأخذها بالغلبة، وإما أن يجتمع أهل الحل والعقد ولو اثنان -كما في الستة أصحاب الشورى- ويبايعونه على ذلك ثم يبايعه الناس، والله عز وجل يقول في كتابه الكريم: ﴿وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم(23)، ويقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ﴿ياأيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم(24)، ويقول: ﴿فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر(25).

وأهل الحل والعقد هم العلماء الأفاضل، وكذلك ممن له معرفة بالسياسة يشارك في الاختيار، ولا بأس إن كانوا مجموعة قدر عشرين شخصا أو أقل أو أكثر، وعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- اقتصر على ستة وهو الأولى، ولا يكون من باب الانتخابات فقد جاءتنا من قبل أعداء الإسلام، وهي وسيلة من وسائل الديمقراطية.

السؤال190: وقال أيضا في دخول الداعية في التلفاز -وهذا شبيه بالسؤال الذي ذكرته في الانتخابات-: «أرى أن يدخل أهل الخير فيه، ولا بد أن يدخل أهل الخير وتكون لهم برامج معينة»، والداعية الذي يظهر في المسلسلات سيقول يوما من الأيام: إن المسلسلات حرام، فما هو الضابط في دخول الداعية في التلفاز أم هو محرم مطلقا؟

الجواب: هل يستطيع الشخص أن يقول ما يريد في التلفزيون أم لو قلت كلاما يخالف أهواء أصحاب السياسة لما أذاعوا به، ولا نشروه، فالمسألة ليست مسألة استحسان ولا رأي، فالتلفزيون فيه الصور والنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: «لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة».

والتلفزيون فيه النظر إلى النساء، والنساء إلى الرجال، والنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: «كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا، مدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج ويكذبه».

والبركة من الله عز وجل، فرب كلمة تقال في مجلس صغير ينفع الله بها العباد والبلاد، فما تنتشر حتى تصل إلى أمريكا، وإلى بريطانيا وغيرها، ورب كلمة ترددها وسائل الإعلام مرارا، وفي النهاية تصبح (فسوة سوق) ليس لها ثمرة، ولا يستفاد منها.

فنحن مأمورون بالاستقامة، وألا نرتكب المعاصي من أجل إصلاح غيرنا: ﴿ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون(26).

فلماذا لا يمكنونه من الإذاعة، ويتكلم بالذي يتكلم به في التلفزيون، وآسف على بعض العلماء الذين يجارون المجتمع ويجرون بعده، فالحلال ما أحله المجتمع، والحرام ما حرمه المجتمع، فيجب على العلماء ألا يتركوا العلم للجهل، والسنة للبدعة.

السؤال191: يستدل بعض الناس على الانتخابات بفعل عبدالرحمن بن عوف في اختيارهم عثمان فما الجواب على ذلك؟

الجواب: أفاضل الصحابة أسند إليهم عمر هذا الكلام، واختاروا وتحروا في اختيارهم عثمان -رضي الله عنه-، فهل كان بينهم خمار، أو شيوعي، أو بعثي، أو امرأة فويسقة تمثل قومها، والنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: «لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة».

فهذا يعتبر تقليدا لأعداء الإسلام، ورحم الله أبا محمد بن حزم إذ يقول: المقلد كالغريق يتشبث بأي شيء يستطيع أن يتمسك به.

السؤال192: يقول بعض الناس: لا بأس بدخول المرء في الانتخابات لكي يكون قائدا في مجتمعه، له سلطة وله أمر ونهي، وعليه أن يغض الطرف وأن يبتعد عن الجلوس مع المرأة، فما هو ضابط الضرورة في الدخول وما هي الأدلة من الكتاب والسنة، وأقوال العلماء في شأن الاختلاط، ومن هي المرأة التي يجوز لك أن تختلي بها، وما هي أضرار الاختلاط؟

الجواب: أما شأن طلابنا المختلطين مع النساء فكما قيل:

ألقاه في اليم مكتوفا وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء

وقد سألني طالب من طلبة جامعة صنعاء: ماذا يعمل الشخص إذا أمنى؟ فظننت أنه لا يفرق بين المني والمذي، فقلت: لعله إذا أمذى؟ قال: لا والله إذا أمنى، فقلت له: كيف ذاك؟ قال: يحصل اصطدام في الدرج مع النساء.

والنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: «ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء».

والله عز وجل يقول في شأن نساء النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وفي شأن الصحابة الذين هم أطهر قلوبا من قلوبنا: ﴿وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن(27).

ويقول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن». ويقول أيضا: «فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء».

فأقول: من أوجب عليها أن تخرج إلى الجامعة، وإلى المدرسة، وسلامة القلب لا يعادلها شيء، يقول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب».

وأخبرت أن فتيات أنصار السنة في السودان، وينبغي أن يقال: أنصار الدنيا والمال، يذهبن إلى الشيوعي يدعينه إلى أن يدخل في حزب جماعة أنصار السنة، وإلى البعثي، وإلى غيرهما من الضائعين.

والمرأة ليست معصومة فربما تفتن به أو يفتن بها، ولقد أحسن من قال:

كل الحوادث مبدؤها من النظر                    
                    ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فعلت في قلب صاحبها                    
                    فعل السهام بلا قوس ولا وتر
يسر مقلته ما ضر مهجته                    
                    لا مرحبا بسرور جاء بالضرر

أما أصحاب جماعة أنصار السنة فقد أصبحوا جماعة أنصار المال.

فأنصح أخواني في الله أهل السنة بالسودان أن يبتعدوا عن المدارس والجامعات التي فيها اختلاط، فإنها تعتبر فتنة، والنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: «استفت قلبك وإن أفتاك المفتون».

وإذا كان سعيد بن المسيب يقول: لو ائتمنت على كذا وكذا من الذهب لوجدت نفسي عليه أمينا ولو ائتمنت على جارية سوداء، لما وجدت نفسي عليها أمينا.

يقول بعض السلف: لا تخلون بامرأة ولو أن تعلمها القرآن.

وقال الترابي -ترب الله وجهه وقطع الله دابره- وبعض المتحذلقين: إن المتمسكين بالكتاب والسنة يحسون هذا الإحساس لأنهم لا يختلطون بالنساء، فإنهم لو اختلطوا بالنساء فسيزول هذا الإحساس.

فنقول: نعم لأنها قد ماتت قلوبهم: ما لجرح بميت إيلام.

والرجل يمكث مع امرأته قدر خمسين سنة، فهل زال ذلك الإحساس؟ فأف لهذه التلبيسات.

وأما ما هو ضابط الدخول للضرورة في هذه الجامعات المختلطة؟ فليست هناك ضرورة، فهل السيف على رقبة الشخص، أو أنه إذا لم يدخل الجامعات، زج به في السجن حتى يخاف على نفسه، أو ماله، أو عرضه، أن يحل به ما لا يتحمله.

وأما من هي المرأة التي يجوز لك أن تختلي بها فهي المرأة التي تحرم عليك على التأبيد، ويستثنى الملاعنة فإنها تحرم عليك على التأبيد، ولا يجوز لك أن تختلي بها.

السؤال193: ما هي أقوال أهل العلم في شأن الإزار، وما هو موضع الاختلاف، وعلى ماذا يحمل وجه الاختلاف، وما حال حديث: التقصير بأربع أصابع تحت الركبة؟

الجواب: الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «إزرة المؤمن إلى وسط الساق». فالأحسن أن يكون إلى وسط الساق، ولو ارتقع إلى تحت الركبة فلا نستطيع أن ننكر عليه، وأما الحديث الذي ورد في السؤال فالذي يظهر لي أنه ليس بصحيح، وإذا كان الثوب كذلك إلى فوق الكعبين، أو إلى الكعبين، فلا نستطيع أن ننكر عليه، لكن الأفضل أن يكون إلى وسط الساق للحديث الذي ذكرناه: «إزرة المؤمن إلى وسط الساق».

السؤال194: ما هي الطريقة المثلى في الدعوة إلى التوحيد، وما هو ضابط المفسدة في الدعوة إليه وهل الدعوة إلى التوحيد قائمة إلى يوم الدين؟

الجواب: أما الطريقة المثلى فهي التعليم، والاهتمام بالدعوة إلى التوحيد فإن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لما أرسل معاذا إلى اليمن قال: «إنك ستأتي قوما من أهل الكتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله».

وهذه المفسدة إن كانت متحققة أو مظنونة ظنا راجحا، فنعم، لكن نخشى أن تكون من باب الأوهام، ومن باب قول الله عز وجل: ﴿إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين(28)، أي: يخوفكم أولياءه.

فإذا كانت المفسدة متحققة ومؤكدة، فيتأنى في الأمر، ويبدأ بالتعليم مع النية أنه إذا تمكن الشخص، فسيزيل هذه المنكرات.

وبحمد الله فإخواننا أهل عدن حفظهم الله، عند أن قاموا بتخريب القبور، نصروا سنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، واتضحت حقائق لأناس من أصحاب الحزبيات المغلفة، كأصحاب جمعية الحكمة، وجمعية الإحسان الذين تبرموا وتبرءوا من هذا.

فأقول: لا بد من فتنة وابتلاء، يقول الله عز وجل: ﴿ألم * أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا ءامنا وهم لا يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين(29).

ويقول سبحانه وتعالى: ﴿أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين ءامنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب(30).

السؤال195: نرجو من فضيلتكم، تنبيه الإخوة السودانيين على الشريط الذي أخرجته في حسن الترابي الضال، لأن أكثر السودانيين مغترين به، فهو داعية ضلالة، يجب تبيين حاله؟

الجواب: من فضل الله أنه منذ قدم إلى اليمن، واطلعنا على بعض كتبه، وبعض النشرات التي تنشر عنه، ونحن نحذر منه، بل ندعوه إلى أن يجدد إسلامه، والآن تحقق وسألنا أخونا (أبوالمغيرة اللبناني) حفظه الله، وأبان بعض المسائل الكفرية التي صدرت من الترابي.

وأقول: إن كثيرا من الإخوة السودانيين أصحاب عاطفة، وأريد منهم أن يعرضوا أقوال الترابي وردود أهل العلم على كتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، وهذا لأهل الخير والصلاح، أما الحزبي فلو جئته بكل آية.

وقد انزلق بعض الناس من أرض الحرمين ونجد واغتروا به، يقول أحدهم: يعجبني ذكاؤه. فأقول له: وإبليس ذكي، فإن عنده من الذكاء أكثر مما عند حسن الترابي، وكذلك ابن الراوندي، والفارابي، وابن سيناء، فعندهم ذكاء أكثر من الترابي، فلا تغتر يا عبدالله بالذكاء، وتنسى مطاعن الترابي في الدين.

وأنصح الإخوة السودانيين بقراءة ردود أهل العلم على ذلك الضال المضل.

السؤال196: ختاما، جزاكم الله خيرا على هذه الردود النافعة، والإجابات الراشدة، ولكن ما هي نصيحتكم للشباب السوداني، وكيف يتعاملون مع أنصار السنة، الذين حق لهم أن يسموا أنصار البدعة؟ وما هي نصيحتكم لهم في كيفية طلب العلم؟ وعند من يطلبونه؟

الجواب: أنصحهم أن يطلبوا العلم، وأن يبتعدوا عن جماعة أنصار السنة، فقد أصبحوا دعاة بدعة، ودعاة مادة، وأما طلب العلم فأتمنى أن الله يوفق أخا من إخواننا يذهب إلى هناك ويستفيد منه إخواننا السودانيون ولو مدة ثلاثة أشهر، يعلمهم كيف يستفيدون من كتب السنة، وأخبرت أن الأخ حسين عشيش مستفيد فليستفيدوا منه، وإذا استطاعوا أن يرحلوا إلى أهل العلم، فليرحلوا مثل الشيخ الألباني، والشيخ ابن باز، وإياكم إياكم من القرب من الحزبيين فان علمهم ليس فيه بركة، لأنهم ليسوا مخلصين فهمهم أن يجمعوا الناس عندهم، وأن يقربوا الناس إليهم إذا حصلت انتخابات، أما أنت أيها السني فهمك أن تعلم الناس كتاب الله، وسنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، ولست تدعوهم إلى تقليدك واتباعك، بل تقول لهم: نحن وأنتم نتبع كتاب الله، وسنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.

ولا أستطيع أن أفي بما يحتاج إليه الإخوة، ولكنني أنصحهم أن يقبلوا على حفظ القرآن، وعلى الاستفادة من كتب السنة، وعلى الرحلة إن تيسرت لهم إلى أهل العلم.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

_______________________

(1) سورة النحل، الآية: 43.

(2) سورة العراف، الآية: 3.

(3) سورة الإسراء، الآية: 36.

(4) سورة الحشر، الآية: 7.

(5) سورة القمر، الآية: 17.

(6) سورة النساء، الآية: 82.

(7) سورة الأحزاب، الآية: 70.

(8) سورة النساء، الآية: 135.

(9) سورة الأنعام، الآية: 152.

(10) سورة الأعراف، الآية: 33.

(11) سورة المؤمنون، الآية: 53.

(12) سورة آل عمران، الآية: 103.

(13) سورة الأنعام، الآية: 159.

(14) سورة السجدة، الآية: 18.

(15) سورة الجاثية، الآية: 21.

(16) سورة ص، الآية: 28.

(17) سورة آل عمران، الآية: 36.

(18) سورة النجم، الآية: 22.

(19) سورة المائدة، الآية: 50.

(20) سورة هود، الآية: 112.

(21) سورة فصلت، الآية: 6.

(22) سورة الإسراء، الآية: 74.

(23) سورة النساء، الآية: 83.

(24) سورة النساء، الآية: 59.

(25) سورة النساء، الآية: 59.

(26) سورة آل عمران، الآية: 104.

(27) سورة الأحزاب، الآية: 53.

(28) سورة آل عمران، الآية: 175.

(29) سورة العنكبوت، الآية: 1-3.

(30) سورة البقرة، الآية: 214.

  العناوين الفرعية
 النونية السبعينية في المأساة السودانية


تحفة المجيب على أسئلة الحاضر والغريب
  • عنوان الكتاب: تحفة المجيب على أسئلة الحاضر والغريب
  • تاريخ الإضافة: 13 رجب 1426هـ
  • الزيارات: 698404
  • التحميلات: 27718
  • تفاصيل : الطبعة الأولى -دار الآثار صنعاء
  • تنزيل: اضغط هنا للتنزيل  zip

فهرس الكتاب

تفريع الفهرس | ضم الفهرس

تحفة المجيب على أسئلة الحاضر والغريب