رسالة إلى أهل عبس

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.. وبعد:

فقد تقدم أهل عبس بسؤال إلى شيخ الإمام العلامة المحدث سماحة الوالد أبي عبد الرحمن مقبل بن هادي الوادعي محدث العالم الإسلامي والجزيرة العربية أطال الله بقاءه على الحق والسنة وأمد الله في عمره ونفع به وبعلمه الإسلام والمسلمين وحفظه ودفع عنه كل سوء ومكروه. آمين

وهذا نصه:

إن إمام مسجد في مدينة عبس يقول: «إن أركان الإسلام خمسة -ثم ذكر نفسه وبعض من يقومون في حلقته من الصوفية، ثم قال: - وأركان الردة خمسة ثم ذكر منهم خمسة من أهل السنة في مدينة عبس» فما حكم قول هذا الرجل؟ وما حكم إمامته في هذا المسجد بالناس؟ وهل تجوز الصلاة خلفه وجزاكم الله خيرا؟

الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأصحابه ومن والاه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. أما بعد:

فهذه رسالتي الشفهية إلى إخواننا أهل عبس: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: فإننا نحمد الله سبحانه وتعالى الذي من علينا بسنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- التي يقول فيها رب العزة: ﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا(1)، ويقول ربنا في كتابه الكريم في شأن نبيه محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ﴿وإن تطيعوه تهتدوا(2)، ويقول ﴿.. وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا(3).

وروى البخاري في «صحيحه» عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى» قالوا: يا رسول الله ومن يأبى؟ قال: «من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى».

ونحمد الله سبحانه وتعالى إذ جعلنا من أمة محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- المنزل عليه: ﴿كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر(4)، والمنزل عليه: ﴿ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون(5)، والمنزل عليه: ﴿لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما(6).

ثم نحمد الله سبحانه وتعالى إذ جعلنا من أهل بلدة أثنى عليها رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقال: «الإيمان يمان والحكمة يمانية والفقه يمان» وأخبر عن أهل اليمن بأنهم «ألين قلوبا وأرق أفئدة» وروى البخاري في «صحيحه» من حديث عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا»، قالوا: وفي نجدنا قال: «اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا»، قالوا: وفي نجدنا، قال: «هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان».

وروى مسلم في «صحيحه» من طريق سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة، عن ثوبان أن نبي الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «إني لبعقر حوضي أذود الناس لأهل اليمن أضرب بعصاي حتى يرفض عليهم» ومعنى ذلك أن الناس يزدحمون في عرصات القيامة على الحوض من العطش ومن شدة الحر فيخرج النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بعصاه يقرع الناس لئلا يزاحموا اليمنيين.

وروى الإمام أحمد في «مسنده» عن جبير بن مطعم -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «أتاكم أهل اليمن كقطع السحاب خير أهل الأرض» فقال له رجل ممن كان عنده: ومنا يا رسول الله؟ قال كلمة خفية: «إلا أنتم».

فهذه فضيلة لليمنيين يجب أن نحمد الله سبحانه وتعالى عليها، وأن نسارع إلى سنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- والعمل بها والدعوة إليها والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ﴿والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر(7).

وأنا آسف أن يوجد رجل يتحكم في المصلين أو شيخ قبيلة يتحكم فيمن تحت يده، أنت رجل مسلم تأكل من كسب يدك يجب أن تحمد الله عز وجل على ذلك، فقد جاء من حديث رافع بن خديج قال: قيل: يا رسول الله أي الكسب أطيب؟ قال: «عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور».

والذي ينتظر المرتب في آخر الشهر ربما يخرس لسانه، فلا يستطيع أن يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر، أما أنت فبحمد الله تحترف وتأكل من مزرعتك ومن متجرك ومن عمل يدك فينبغي أن تكون قوالا بالحق. قال عبادة ابن الصامت: -وذكر الحديث الذي في «الصحيحين» وفيه- «أن تقول الحق أينما كنت لا تخاف في الله لومة لائم».

أما هذا الإمام الذي يتحكم في أهل المسجد فهذه مصيبة، فربما يكون منجما، وربما يكون كافرا، وربما يكون اشتراكيا إلى غير ذلك.

فلا، ليست الإمامة وراثة، إنها شرف وتكريم، فعباد الرحمن يدعون الله في قولهم أو في بعض قولهم ﴿واجعلنا للمتقين إماما(8).

ورب العزة يقول في كتابه الكريم: ﴿وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون(9)، ويقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ﴿وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين(10).

فالإمامة تعتبر تشريفا وليست بوراثة، فقد كنا نظن أنها مقصورة على العلويين والقضاة، وإذا لم يجد بعضهم إماما يصلي بهم العيد رحلوا يأتون به، وبعد الصلاة يجمعون له نقودا لأنه أتى يصلي بهم، كنا نظن ذلك حتى قرأنا في «صحيح مسلم» من حديث أبي مسعود البدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سنا -وفي رواية أخرى: فأقدمهم سلما-».

هذا هو الذي ينبغي، والمبتدع لا ينبغي أن يؤم أهل السنة فإنه ينشر بدعته وتعظم في أعين الناس، يقولون: إمام المسجد الفلاني، ولو لم يكن على حق ما جعلوه إماما، ولو لم يكن على حق ما صلى فلان بعده.

فمثل هذا المبتدع ليس أهلا أن يؤم أهل السنة، وهذا الرجل الذي ذكر في السؤال ركن من أركان الضلال أما من أركان الإسلام فلا.

فيا أهل عبس أبلغتم في الجهل أنكم لا تميزون بين أركان الإسلام وأركان الضلال... عجوز من عجائزنا لو سألتها عن أركان الإسلام لقالت خمسة: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان، وفي رواية: وصوم رمضان، والحج.

من أنت يا هذا حتى يبلغ بك التلبيس إلى أن تلبس على المؤمنين بأنك ركن من أركان الإسلام، بل أنت ركن من أركان الضلال، صوفي، ورحم الله الإمام الشافعي الذي يقول: «لو أن رجلا دخل في الصوفية في أول يومه ما جاء آخر يومه إلا وهو أبله». فهذا رجل يستحق كية في وسط رأسه لعله قد أصيب بالماخوليا، لخلوات الصوفية وجوعهم. فإما أن يكون ملبسا وإما أن يكون أصيب بالماخوليا فيكوى في رأسه حتى يشفى ويعرف، ويعرفه الناس أنه كان ضالا. والنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» الصوفية أصحاب العصائد والرقص في المساجد والطارات، فقد ذكر ابن القيم أنه رآهم في منى أو في عرفة أو مزدلفة. ونحن أيضا رأيناهم في الحرم المكي.

فقد كنت ذات يوم مرهق لا أستطيع أن أتكلم فرأيت أناسا من الأتراك حلقة كبيرة في الحرم الأعلى فإذا هم يرقصون ويدندنون بتلك الدندنة الصوفية وبقيت متحيرا ماذا أعمل مع هؤلاء، فلو ركضني أحدهم برجله لخرجت من النافذة، أأسكت أم ماذا أعمل؟ وبقيت مترددا، ثم دخلت في وسط الحلقة وصحت عليهم وقلت لهم: أبيوت الله تهان ورب العزة يقول في كتابه الكريم: ﴿في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال(11)، فسكتوا والحمد لله، وما شعرت إلا بمجموعة من اليمنيين الذين كانوا يرقصون معهم يقولون: (أيش تبغينا نسوي) يعني مستعدون للمضاربة، فقلت لهم: لا شيء، فجاء العسكري وفرقهم بعد ذلك والحمد لله.

فهؤلاء هم الذين يرقصون في المساجد، وفي بيوت الله، بل لا تذهبوا بعيدا فعندنا هاهنا في الحوطة في حضرموت خرجوا بالطار يرقصون في المساجد.

عندهم في حضرموت الصوفية، وعندنا الشيعة بصعدة، اللهم طهر يمننا من الصوفية والشيعة. ولكني أبشركم أنهم في خزي وفي ذعر من سنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.

وذكر أيضا ذلك الضليل خمسة من أهل السنة، ما شاء الله علماء نابغون، وفي تهامة عندهم تفسيرات جديدة، كما قال أحد طلاب مرعي -لا رعاه الله- قال في حديث: «منه الزلازل والفتن ومنه يطلع قرن الشيطان» قال: أما المشرق نجد فهو دماج ومأرب.

والله هو الذي يخذلهم حتى يتكلموا بهذه الأباطيل من أجل أن يبغضهم الناس، فمثل هذا لا تصح الصلاة بعده ولا كرامة، فهو يعتقد أنه ركن من أركان الإسلام أنه شهادة أن لا إله إلا الله، أو الصوم، أو الصلاة، أو الزكاة، أو الحج، من أنت حتى تقول إنك ركن؟ لكن الصوفية لهم تفسيرات، فربما فسروا الحج بالذهاب إلى قبور، وفسروا الصوم بالإمساك عن أسرار المشايخ، هذه تفسيرات الصوفية، وبعد أيام ستسمعون وتسمعون.

وقد بلغني أن اثنين خرجا في الحديدة وقالا: نحن رسولا الله إلى الحيوانات، هم رسولا الله سبحانه وتعالى إلى الحمير والكلاب والفئران والقطط، يذهبان ويصيحان في الطرقات حتى يبح صوتهما وتنتفخ أوداجهما وهما يدعوان الحيوانات إلى الإسلام، والله المستعان. فبعضهم يكون مجنونا، وبعضهم يكون ملبسا من أجل الأموال.

فينبغي على أهل المسجد الذي فيه هذا الضليل أن يبتعدوا عن الصلاة خلفه، حتى ولو قال: تبت إلى الله، نقول: لا بأس، توبتك لنفسك ولا نستطيع أن نقول: توبتك ما تقبل، لكن نحن سنقدم من يصلي بالمسلمين، وأنت تتوب وذلك ما كنا نبغي.

فبسبب كثرة أهل السنة والحمد لله، وطاعة الناس لهم، ربما يقول: أنا قد تبت إلى الله، وقد أخبرت عن غير واحد ممن يرتكب الفواحش كاللواط ويكون إمام مسجد أو يكون مدرس أولاد، ويقول: أنا تبت إلى الله. فيقال له: توبتك لنفسك ونسأل الله أن يتوب عليك، ونسأل الله أن تكون صادقا في توبتك، ولكن نحن في شك من أمرك، نتوقف في هذا الأمر ولا نقول: إنها لا تقبل توبتك، والله المستعان.

فعسى أن يكون قد فهم إخواننا أهل المسجد ما قرأ عليهم من وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكذلك إخواننا بعبس واجب عليهم أن يتبرءوا من هذا الضليل ومن الصلاة خلفه، وبهذا ننتهي، وفق الله الجميع لما يحب ويرضى. والحمد لله رب العالمين.

_______________________

(1) سورة الأحزاب، الآية: 21.

(2) سورة النور، الآية: 54.

(3) سورة الحشر، الآية: 7.

(4) سورة آل عمران، الآية: 110.

(5) سورة آل عمران، الآية: 104.

(6) سورة النساء، الآية: 114.

(7) سورة التوبة، الآية: 71.

(8) سورة الفرقان، الآية: 74.

(9) سورة السجدة، الآية: 24.

(10) سورة البقرة، الآية: 124.

(11) سورة النور، الآية: 36.


تحفة المجيب على أسئلة الحاضر والغريب
  • عنوان الكتاب: تحفة المجيب على أسئلة الحاضر والغريب
  • تاريخ الإضافة: 13 رجب 1426هـ
  • الزيارات: 694331
  • التحميلات: 27602
  • تفاصيل : الطبعة الأولى -دار الآثار صنعاء
  • تنزيل: اضغط هنا للتنزيل  zip

فهرس الكتاب

تفريع الفهرس | ضم الفهرس

تحفة المجيب على أسئلة الحاضر والغريب