﴿الحمد لله، وسلام على عباده الذين اصطفى﴾، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه الكرام الشرفاء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله... أما بعد:
فيقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ﴿ياأيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا * وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما * يانساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا * ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما * يانساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا * وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا * واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا﴾(2).
وروى الإمام مسلم في «صحيحه» عن زيد بن أرقم -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به -فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال: - وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي».
وروى البخاري في «صحيحه» عن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- موقوفا عليه: ارقبوا محمدا -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في أهل بيته. وقال أبوبكر -رضي الله عنه-: والله لأن أصل قرابة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أحب إلي من أن أصل قرابتي.
ففي هذا دليل على علو منزلة أهل بيت النبوة، وروى الإمام مسلم في
«صحيحه» عن عائشة -رضي الله عنها-: دعا النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فاطمة وحسنا وحسينا فجللهم بكساء وعلي خلف ظهره فجلله بكساء ثم قال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا».
وهذا الحديث من طريق مصعب بن شيبة وقد قال فيه النسائي: إنه منكر الحديث، لكن الحديث مروي عن سلمه بن الأكوع بهذا المعنى، وجاء أيضا عن جماعه من الصحابة كما في «تفسير ابن كثير»، ومصعب بن شيبة وإن كان قال فيه النسائي: إنه منكر الحديث، فقد وثقه غيره، وزيادة على هذا أن الدارقطني انتقد على البخاري ومسلم أحاديث، ولم ينتقد هذا الحديث.
وهذا الحديث من الأحاديث التي تدل على منزلة أهل بيت النبوة الرفيعة وذلك الفضل في زمن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وبعده إلى أن يأتي المهدي، فإن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول في شأن المهدي وهو من ولد النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أي ينتسب إلى فاطمة وعلي: «إنه سيخرج ويملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا».
وفي هذا الحديث رد على من قال إن أهل بيت النبوة قد انقرضوا وأن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لم يخلف أحدا، واستدلوا على ذلك بقول الله عز وجل: ﴿ما كان محمد أبا أحد من رجالكم﴾(3)، يقولون: فعلى هذا فالنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لم يخلف أحدا ولا يجوز أن ينتسب إليه أحد.
ولكن هذه للحسن والحسين ولمن انتسب إليهما، فقد قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين».
وهذا الحديث يعتبر علما من أعلام النبوة، فقد حقن الله دماء المسلمين بسبب الحسن بن علي فقد وجد جيشان جيش مع الحسن وجيش مع معاوية، فرأى الحسن أنه سيفني المسلمون وتنازل لله عز وجل وترك الإمارة لمعاوية. فهذا دليل على أن الحسن والحسين ينتسبان إلى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
وجاء في «مسند الإمام أحمد» عن ابن عباس قال: رأيت النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في المنام بنصف النهار أشعث أغبر معه قارورة فيها دم يلتقطه أو يتتبع فيها شيئا، قال: قلت: يا رسول الله ما هذا؟ قال: «دم الحسين وأصحابه، لم أزل أتتبعه منذ اليوم».
فهذا دليل على أن الحسنين تجوز نسبتهما إلى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، بخلاف بقية الناس فإن الشاعر يقول:
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا
بنوهن أبناء الرجال الأباعد
يعني: بنونا أولاد أبنائنا هم أولادنا، أما بناتنا إذا تزوجن فأولادهن أولاد أزواجهن. لكن هذه خصوصية للحسنين.
وجاء في «مسند الإمام أحمد»: كان رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يخطبنا فجاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران فنزل رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- من المنبر فحملهما فوضعهما بين يديه ثم قال: «صدق الله ورسوله: ﴿إنما أموالكم وأولادكم فتنة﴾ نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما».
وجاء في «صحيح البخاري»: أن رجلا سأل ابن عمر عن دم البعوض
-إذا قتله الشخص وهو محرم فأصابه الدم- فقال: ممن أنت، فقال: من أهل العراق، قال: انظروا إلى هذا يسألني عن دم البعوض وقد قتلوا ابن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وسمعت النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: «هما ريحانتاي من الدنيا».
وجاء في «صحيح البخاري» من حديث البراء -رضي الله عنه- قال: رأيت النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- والحسن بن علي على عاتقه يقول: «اللهم إني أحبه فأحبه». وجاء في «جامع الترمذي» من حديث حذيفة أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة».
فمنزلتهما رفيعة، وقد ذكر العلماء رحمهم الله الشيء الكثير من مناقب أهل بيت النبوة. فالحسن والحسين وذريتهم المستقيمين منزلتهم رفيعة.
أما علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- فإن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: «ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس نبي بعدي». رواه البخاري.
فهذا الحديث يدل على فضل علي، ولا يدل على أنه أحق بالخلافة، فإن هارون كان نبيا. ويقول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لعلي: «أنت مني وأنا منك».
ويقول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «علي مني وأنا منه وهو يقضي ديني».
ودعا بعض الأمويين سعد بن أبي وقاص ليسب عليا، فما فعل، قالوا: ما منعك أن تسب عليا؟ قال: أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فلن أسبه؛ لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم سمعت رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول له خلفه في بعض مغازيه، فقال له علي: يا رسول الله خلفتني مع النساء والصبيان!! فقال له رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- : «ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس نبي بعدي»، وسمعته يقول يوم خيبر: «لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله» قال: فتطاولنا لها، فقال: «ادعوا لي عليا» فأتي به أرمد فبصق في عينه ودفع الراية إليه، ففتح الله عليه ولما نزلت هذه الآية ﴿فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم﴾(4) دعا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عليا وفاطمة وحسنا وحسينا، فقال: «اللهم هؤلاء أهلي».
أما الحديث الأول فهو في «الصحيحين» من حديث سهل بن سعد -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال يوم خيبر: «لأعطين الراية غدا رجلا يفتح على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله»، فبات الناس ليلتهم أيهم يعطى، فغدوا كلهم يرجوه، فقال: «أين علي»؟ فقيل: يشتكي عينيه، فبصق في عينيه ودعا له فبرأ كأن لم يكن به وجع، فأعطاه، فقال: أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا. فقال: «انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم، فوالله لأن يهدي الله بك رجلا خير لك من أن يكون لك حمر النعم». وهذا الحديث يعتبر علما من أعلام النبوة.
وفي «مسند الإمام أحمد» قال: حدثنا زيد بن الحباب، حدثني الحسين بن واقد، حدثني عبدالله بن بريدة، حدثني أبي بريدة، قال: حاصرنا خيبر فأخذ اللواء أبوبكر فانصرف ولم يفتح له، ثم أخذه من الغد فخرج فرجع ولم يفتح له، وأصاب الناس يومئذ شدة وجهد، فقال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «إني دافع اللواء غدا إلى رجل يحبه الله ورسوله، ويحب الله ورسوله، لا يرجع حتى يفتح له» فبتنا طيبة أنفسنا أن الفتح غدا، فلما أن أصبح رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- صلى الغداة ثم قام قائما فدعا باللواء، والناس على مصافهم، فدعا عليا وهو أرمد فتفل في عينيه ودفع إليه اللواء، وفتح له. قال بريدة: وأنا فيمن تطاول لها.
وجاء في «مسند أبي يعلى» من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أخذ الراية فقال: «من يأخذها»؟ فقال الزبير: أنا، فقال: «أمط»، ثم قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «من يأخذها»؟ فقال رجل: أنا. فقال له النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «أمط» ثم قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «من يأخذها»؟ فقال رجل آخر: أنا. فقال: «أمط» فأعطاها علي بن أبي طالب وفتح الله على يديه خيبر.
وقد خرج مرحب وهو سيد أهل خيبر يخطر بسيفه ويقول:
قد علمت خيبر أني مرحب
شاكي السلاح بطل مجرب
إذا الحروب أقبلت تلهب
فبرز له عامر بن الأكوع فقال:
قد علمت خيبر أني عامر
شاكي السلاح بطل مغامر
قال: فاختلفا ضربتين فوقع سيف مرحب في ترس عامر، وذهب عامر يسفل له، فرجع سيفه على نفسه فقطع أكحله، فكانت فيها نفسه.
فخرج علي فقال:
أنا الذي سمتني أمي حيدره
كليث غابات كريه المنظره
أوفيهم بالصاع كيل السندره
قال: فضرب رأس مرحب فقتله، ثم كان الفتح على يديه.
وهكذا عمرو بن ود العامري فقد قتله علي بن أبي طالب وشارك في قتل ثلاثة من صناديد قريش وأنزل الله عز وجل: ﴿هذان خصمان اختصموا في ربهم﴾(5).
فهذا هو علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- والذي اجتمعت فيه الشجاعة والفقه في الدين والزهد في الدنيا، وارتفعت منزلته حتى صار مستشارا لأبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- بسبب ما أعطاه الله من الفقه.
ويقول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في علي بن أبي طالب: «من كنت مولاه فعلي مولاه». رواه الترمذي من حديث زيد بن أرقم. وجاء عن ستة من الصحابة: «من كنت وليه فعلي وليه».
وليس في هذا الحديث أن عليا أحق بالخلافة، لأن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لم يوص بالخلافة، وإنما أشار إشارات أنها لأبي بكر الصديق وهو حديث عائشة أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «ادعي لي أباك وأخاك، حتى أكتب كتابا، فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل: أنا أولى، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر».
وهذا كما يقول الإمام الشافعي والطحاوي رحمهما الله: إن الحديث لا يدل على أن عليا أحق بالخلافة، وإنما هو ولاء الإسلام كقوله تعالى: ﴿إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون﴾(6)، وكقوله تعالى: ﴿والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض﴾(7) فإن قال قائل: فلم خص علي؟. فالجواب: أن خصوصية علي دليل على منزلته الرفيعة.
ففرق بين علو المنزلة، وبين الاستحقاق للخلافة، فقد يكون رجلا من أعلم الناس، ولكن ليس لديه بصيرة بالخلافة، فهل تسلم الخلافة إلى هذا الشخص الذي يعتبر من أعلم الناس، وقد يكون من أشجع الناس، ولكنه قد لا يكون لديه بصيرة لسياسة الرعية. فالسياسة شيء والعلم والزهد والشجاعة شيء آخر. فهذه بعض الأحاديث الواردة في فضل علي -رضي الله عنه-.
وأما فاطمة فإن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: «فاطمة بضعة مني يغضبني ما يغضبها، ويريبني ما أرابها». رواه البخاري من حديث مسور بن مخرمة.
ويقول رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «أفضل نساء أهل الجنة: خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون، ومريم ابنة عمران، -رضي الله عنهن- أجمعين».
وجاء في «مسند الإمام أحمد» من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: أقبلت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشية رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقال: «مرحبا
بابنتي» ثم أجلسها عن يمينه، أو عن شماله، ثم إنه أسر إليها حديثا فبكت، فقلت لها: استخصك رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- حديثه ثم تبكين؟! ثم إنه أسر إليها حديثا فضحكت، فقلت: ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن، فسألتها عما قال، فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-. حتى إذا قبض النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- سألتها فقالت: إنه أسر إلي فقال: «إن جبريل -عليه السلام- كان يعارضني بالقرآن في كل عام مرة، وإنه عارضني به العام مرتين، ولا أراه إلا قد حضر أجلي، وإنك أول أهل بيتي لحوقا بي، ونعم السلف أنا لك» فبكيت لذلك، ثم قال: «ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء هذه الأمة، أو نساء المؤمنين»؟ قالت: فضحكت لذلك.
فهذه فاطمة التي كانت في غاية من الزهد واختار الله عز وجل لها علي ابن أبي طالب، فقد خطبها غير واحد، منهم: أبوبكر، وخطبها بعده عمر، والنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: «إنها صغيرة» ثم خطبها علي بن أبي طالب فزوجه بها. وكان مهرها درع علي بن أبي طالب الحطمية.
فهذه الأدلة المتكاثرة تدل على فضل أهل بيت النبوة.
وبقي: من هم أهل بيت النبوة؟.
إنهم: آل علي، وآل عقيل، وآل عباس، ومن حرمت عليهم الصدقة، فإن قال قائل: فإن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: «اللهم هؤلاء أهل بيتي» وأشار إلى فاطمة وعلي والحسن والحسين، فهذا يدل على منزلتهم الرفيعة، ولكنه لا يدل على أن الآخرين ليسوا من أهل البيت، ونساؤه أيضا داخلات في أهل البيت، لأنهن في السياق، حتى كان عكرمة مولى ابن عباس يخرج في الأسواق ويصيح: من شاء باهلته أن أهل بيت النبوة هم نساؤه. فلا، ليس الأمر كما يقول عكرمة، بل نساؤه من أهل بيته.
وقال بعضهم: لو كان نساؤه من أهل بيته لقال الله سبحانه وتعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكن الرجس?، ولأتى بضمير المؤنث. فالجواب: أن أهل البيت ذكور وإناث، وغلب الذكور كشأن كثير من الآيات كقوله تعالى: ﴿وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة﴾(8)، يشمل الرجال والنساء.
وهذه الفضائل المتقدمة هل هي تشمل من لم يكن مستقيما؟ فإما أن يكون مبغضا للسنة، وإما أن يكون هاشميا وقد أصبح شيوعيا، أو بعثيا، أو مرتشيا، أو مديرا للضرائب والجمارك، أو موظفا في البنك الربوي، فهل يشمله هذا؟ فأقول: إننا لا نستطيع أن ننفي نسبه إلى النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، لكن الفضيلة لا تشمله. بل الفضيلة للمتمسكين بكتاب الله وبسنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- من أهل بيت النبوة، وأسعد الناس من كان من أهل بيت النبوة وهو من أهل السنة.
فنحن ندعوهم إلى سنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، أما إذا كان من أهل بيت النبوة وهو مقدام في الشر، فبنو هاشم هم أول من أدخل التلفزيون إلى منطقة (دماج)، وهم أول من أتى بنسائهم إلى الانتخابات في (دماج)، وأما القبائل فقد أصبحوا يستحيون من هذا الفعل.
فإذا كان الأمر كذلك فهل نقول: إن هؤلاء لهم شرف أهل بيت النبوة؟ لا، لا، لا، قال الله سبحانه وتعالى في شأن نوح عند أن قال: ﴿رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين * قال يانوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين﴾(9). وقال سبحانه وتعالى: ﴿فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون﴾(10).
وقال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ﴿يانساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين﴾(11). وقال الله سبحانه وتعالى: ﴿ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين﴾(12).
والنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: «من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه»، ويقول أيضا لبني هاشم: «لا يأتيني الناس بأعمالهم، وتأتوني بأنسابكم». وفي «الصحيحين» من حديث عمرو بن العاص أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «إن آل أبي فلان ليسوا بأوليائي، إنما وليي الله وصالح المؤمنين، ولكن لهم رحم أبلها ببلاها» يعني أصلها بصلتها.
وأما حديث: «كل سبب ونسب ينقطع إلا سببي ونسبي»، وظاهره التعارض مع قول الله عز وجل: ﴿فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون﴾(13)، وهو حديث صحيح وقد كنت أقول بضعفه، لأنني لم أستوعب طرقه. وهذا الحديث يدل على أن من كان مستقيما في هذا الزمن، فإنه يشمله هذا الحديث، وليس مجرد زهد وهو يختلس أموال الناس بالحروز والعزائم.
فنريد أن نسلك مسلك رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وفاطمة الزاهدة التقية، وهكذا الحسن والحسين -رضي الله عنهما-.
والذي يسب الصحابة ليس له نصيب في هذه الفضيلة، يقول الله سبحانه وتعالى في شأن الصحابة: ﴿لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله
الحسنى﴾(14).
فلا يشغلوك بمعاوية ولا بفلان وفلان بل اشتغل بنفسك فهل أنت راض عن نفسك؟ ولقد أحسن من قال:
لعمرك إن في ذنبي لشغلا
بنفسي عن ذنوب بني أمية
على ربي حسابهم جميعا
إليه علم ذلك لا إليه
وليس بضائري ما قد أتوه
إذا ما الله يغفر ما لديه
أما مسألة سب الصحابة فإن الله عز وجل يقول: ﴿والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان -رضي الله عنهم- ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا﴾(15). ويقول: ﴿لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم﴾(16).
فالذي يسب صحابة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لا يدخل في هذه الفضيلة، وكذلك الذي يسب السنة ويتبرم من السنة ويؤذي أهل السنة. ومازال العلماء في اليمن منذ القدم وهم يعانون الأذى من الشيعة. وأول من أدخل التشيع والاعتزال إلى اليمن هو الهادي المقبور بصعدة، وقد دخل في زمن عبدالرزاق قبل الهادي، لكنه دخل دخولا خصوصيا لعبدالرزاق نفسه، أما الذي نشره في اليمن فهو الهادي.
أما بالنسبة للتشيع فيجب أن نكون كلنا من شيعة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، لأن التشيع بمعنى الإتباع، فنحن من أتباع رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
وأما حديث: «ياعلي أنت وشيعتك في الجنة»، فإنه حديث موضوع، ذكره ابن الجوزي في «الموضوعات». وأما الاعتزال فهو نسف للعقيدة، فإن المعتزلة لا يؤمنون بأسماء الله وصفاته كما هي، وهم قريبون من الخوارج يحكمون على صاحب الكبيرة بأنه مخلد في النار، والنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: «يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وفي قلبه وزن ذرة من خير».
فهذه الأدلة المتقدمة خير من الأكاذيب والترهات التي تلقى علينا من أمثال: «أهل بيتي كسفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق وهوى»، ومثل: «علي خير البشر، من أبى فقد كفر». وعلى قولهم هذا فعلي خير من الأنبياء والناس أجمعين.
وهذا الذي تقدم من فضائل أهل بيت النبوة هو قطرة من مطرة، لأن محاضرة واحدة لن تستوعب فضائل أهل بيت النبوة، فقد ألف الدولابي كتابا بعنوان «الذرية الطاهرة»، وألف الإمام أحمد كتابا في فضائل الصحابة وذكر الشيء الكثير من فضائل أهل بيت النبوة، وألف المحب الطبري كتابا بعنوان «ذخائر العقبى في فضائل ذوي القربى»، وهو كتاب جمع فيه الصحيح والضعيف والموضوع وما لا أصل له، لأن صاحبه ليس بمحدث، والشوكاني له كتاب بعنوان «در السحابة في فضائل الصحابة والقرابة»، ولم يتحر الأحاديث الصحيحة. من أجل هذا نتمنى أن الله يوفق طالب علم ويكتب في فضائل أهل بيت النبوة بعنوان «الصحيح المسند من فضائل أهل بيت النبوة»(17).
فأهل السنة يحبون أهل بيت النبوة حبا شرعيا، فهم يحبون علي بن أبي طالب ويحبون الحسنين وفاطمة، وعلي بن الحسين الملقب بزين العابدين، ومحمد بن علي الملقب بالباقر وجعفر الصادق وزيد بن علي، يحبونهم حبا شرعيا، ونعتبرهم من أئمتنا؛ فلم يكن عندهم تشيع ولا اعتزال، من أجل هذا فقد روى البخاري ومسلم لعلي بن الحسين، ومحمد الباقر وروى مسلم لجعفر الصادق، وروى أصحاب السنن لزيد بن علي -رضي الله عنهم- جميعا، وقد ذكرنا شيئا من فضائلهم وثناء أهل العلم عليهم في كتابنا «إرشاد ذوي الفطن لإبعاد غلاة الروافض من اليمن».
أما كفانا أن أحمد بن سليمان من أئمة الزيدية له كتابان بعنوان «الحكمة الدرية» والثاني «حقائق المعرفة»، فيهما السب الصراح لأبي بكر وعمر، حتى نستورد من كتب أهل إيران، ولكن هذه الكتب التي تستورد من كتب أهل إيران تعتبر دعوة لأهل السنة لأن فيها الكفر والشرك، ففيها: أن الشمس قالت لعلي بن أبي طالب: السلام عليك يا أول ياآخر يا ظاهر يا باطن يا من هو بكل شيء عليم.
وفيها أيضا أن علي بن طالب قال -وحاشا عليا أن يقول-: أما تعلم أنني أعلم السر وأخفى، وأنني أعلم ما في الأرحام. وإذا أردت أن تحصل على الكتاب الذي فيه هذا الكلام، فكلم شخصا حالق لحية، مغبر يديه كأنه يشتغل في الأسمنت، فإنهم لن يعطوك إذا كنت ذا لحية، ثم يذهب إلى المكتبات في صعدة ويقول لهم: أريد كتاب «عيون المعجزات»، وكذلك كتاب «سلوني قبل أن تفقدوني»، وهو كتاب في مجلدين، وهذا الكتاب الضال فيه -وهو يصف علي بن أبي طالب-:
أهلك عادا وثمود بدواهيه كلم موسى فوق طور إذ يناجيه
وفيه أن رجلين اختصما: هل علي أفضل أم أبوبكر؟ ورضيا بأول داخل يدخل من الباب أنه الحكم، فدخل داخل وقالا له: إننا قد اختصمنا أيهما أفضل أبوبكر أم علي؟ فقال: علي أفضل لأنه خلق أبا بكر!
والكتاب يباع، تبيعه في صنعاء (مكتبة اليمن الكبرى)، عجل الله بإحراقها، فإنها تريد أن تزعزع عقيدة اليمنيين.
فيا أهل السنة تمسكوا بسنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، واحمدوا ربكم الذي أنجاكم من فتنة الانتخابات، فإن بعضهم ليس عنده دين ولا شيمة ولا قبيلة، يأخذ امرأته معه فتمسك طابورا أمام صناديق الانتخابات.
فأهل السنة أنعم الله عليهم والفضل في هذا لله وحده، ليس بحولنا ولا بقوتنا. فأهل بيت النبوة نحبهم حبا شرعيا ونعترف بفضائلهم حتى من كان موجودا الآن وهو مستقيم يجب أن نحترمه ونرعى حقه، ونعرف له منزلته وقربه من رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
أما الذي أصبح يسب الدعاة إلى الله ويقول: هؤلاء وهابية جاءوا بدين جديد، وهو لا يعرف شيئا عن الدين، وقلبه معلق بالمحكمة، ولص من اللصوص في اختلاس أموال الناس. فقد كان هناك حاكم (بالصفراء) يأكل أموال القبائل، فقيل له: حرام عليك! فقال: لا، فالقبيلي يقول: هو يهودي ما يفعل، ويفعل، والقبيلي يقول: امرأته طالق ما يفعل، ويفعل، والقبيلي يقول كذا وكذا، فأموالهم حلال لنا. وأعظم من هذا أن المهدي صاحب «المواهب» يعتبر بلاد اليمن بلادا خراجية بمعنى أنها ملكهم لأنهم طهروها من المطرفية.
وهكذا علم الكلام، واقرءوا «الروض الباسم في الذب عن سنة أبي
القاسم» إذ يقول عن القاسم العياني: إن القاسم العياني يقول: كلامي أنفع للناس من كلام الله، لأنهم قد أجمعوا على أن علم الكلام أشرف العلوم، وأنا أفضل من رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لأني أعلم منه بعلم الكلام.
علم الكلام الذي يقول فيه الإمام الشافعي: حكمي أن يضرب أهل علم الكلام بالجريد ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة.
ودخل البلاء حتى على المذهب، فهم يقولون: إنهم الفرقة الناجية، وعلى مفهومهم هذا فالفرقة الناجية من منطقة (العمشية) إلى (ضحيان)(18)، وهي التي ستدخل الجنة.
أما العلماء الأفاضل كمحمد بن إبراهيم الوزير ومحمد بن إسماعيل الأمير وهما من أهل بيت النبوة ولهم ردود على كتب الزيدية والمعتزلة، حتى أن محمد ابن إسماعيل الأمير كان يقول لأصحابه: لا ندري من نحن متبعون؟ فتارة يقولون للهادي، وأخرى لزيد بن علي، فنظمه إسحاق بن المتوكل وقال:
أيها الأعلام من ساداتنا
ومصابيح دياجي المشكل
خبرونا هل لنا من مذهب
يقتفى في القول أو في العمل
أم تركنا هملا نرعى بلا
سائم نقفوه نهج السبل
فإذا قلنا ليحيى قيل: لا،
ههنا النص لزيد بن علي
وإذا قلنا لزيد قيل: لا،
إن يحيى قوله النص الجلي
قرروا المذهب قولا خارجا
عن نصوص الآل فابحث وسل
ثم من ناظر أو جادل أو رام
كشفا لقذى لم ينجل
قدحوا في دينه واتخذوا
عرضه مرمى سهام المنصل
ويقول بعضهم: ائتني بزيدي صغير أخرج لك منه رافضيا كبير.
فطغت علينا كتب الرافضة من العراق، فالقاضي جعفر بن أحمد بن عبدالسلام، لعله من علماء القرن السادس أو السابع ذهب يدرس في العراق، والذي أرسله هو أحمد بن سليمان وما رجع إلا بشر مستطير، أهل العراق الذين يعتبرون من عبدة قبر الحسين وقبر علي بن أبي طالب ومن الغلاة في جعفر، حتى إن هارون بن سعد العجلي يقول وقد كان شيعيا:
ألم تر أن الرافضين تفرقوا
فكلهم في جعفر قال منكرا
فطائفة قالت: أمام ومنهم
طوائف سمته النبي المطهرا
ومن عجب لم أقضه جلد جفرهم
برئت إلى الرحمن ممن تجفرا
برئت إلى الرحمن من كل رافض
بصير بعين الكفر بالدين أعورا
إذا كف أهل الحق عن بدعة غدا
عليها وأن يغدوا إلى الحق قصرا
ولو قيل إن الفيل ضب لصدقوا
ولو قيل زنجي تحول أحمرا
وأخلف من بول البعير فإنه
إذا هو وجه للإقبال وجه أدبرا
فقبـح أقـوام رموه بفرية
كما قال في عيسى الفرى من تنصرا
والمتأخرون غيروا وبدلوا وظلموا المتمسكين بالسنة، فقد كان هناك رجل في ذمار من بيت الديلمي متمسك بالسنة، فجاء إليه رجل من بيت عقبان وهو يدرس في البخاري فلطمه ثم تضاربا في المسجد، فخرج الشيعي يصيح في الأسواق: البخاري في المسجد، فجاء العامة، وكان المسجد قد أغلق خوفا على الديلمي من أن يقتله العامة، وكان قد ذهب مع العامة شخص وهو لا يدري ما هم عليه، فقالوا: ما هو البخاري؟ قال: (ساع الدم مهفل)(19).
فهم ظلموا أهل السنة، وما انتشرت السنة إلا في هذه الأزمنة، وهذا من فضل الله تعالى، فأهل بيت النبوة يقول الله تعالى فيهم: ﴿إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا﴾(20). والرجس: الإثم والعصيان، ولكن هل هذه إرادة كونية أم إرادة شرعية؟ والجواب: أنها إرادة شرعية، ولو كانت إرادة كونية لوقعت كما أراد ربنا عز وجل.
والذي أنصح به إخواننا الأفاضل من أهل بيت النبوة أن يحمدوا الله فإننا ندعوهم إلى التمسك بسنة جدهم، ولا نقول لهم: تمسكوا بسنة جدنا، فمن نحن ولا نستحق أن ندعو إلى التمسك بسنتنا، ولا بسنة أجدادنا، لكن نقول لهم: تعالوا حتى نتمسك بسنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، الذي هو جدكم ويعتبر شرفا لكم.
كما ننصحهم أن يلتحقوا بمعاقل العلم ويدرسوا الكتاب والسنة، فما رفع الله شأن محمد بن إبراهيم الوزير ومحمد بن إسماعيل الأمير، وحسين بن مهدي النعمي، وهؤلاء الثلاثة من أهل بيت النبوة، ومحمد بن علي الشوكاني وهو قاض، ما رفع الله شأنهم إلا بالعلم وتمسكهم بسنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
أما التحكم والكبر فإن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر».
فترى الرجل منهم له بنات ربما يعجزن ولا يزوج القبائل، ولقد قال محمد ابن إسماعيل الأمير -عند أن ذكر أن الكفاءة في الدين-: اللهم إنا نبرأ إليك من شرط رباه الهوى، وولده الجهل والكبرياء، شرط ليس في كتاب الله، ولا في سنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، ولقد حرمت الفاطميات في يمننا ما أحل الله لهن، ثم ذكر حديث فاطمة بنت قيس التي قال لها النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «أنكحي أسامة» وأسامة ليس بقرشي.
ويقول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «يا بني بياضة أنكحوا أبا هند وأنكحوا إليه»، وكان أبا هند رجلا حجاما. ولقد قرأت في كتاب اسمه «المحبر»، وإذا جمع من النساء الفاطميات قد تزوجن بمن ليس بفاطمي، وهذا أمر يخالف حتى المذهب الزيدي، على أننا نقول: إن المذهب الزيدي مبني على الهيام ولنا شريط في ذلك، ففي ما قرأناه في «متن الأزهار»: (والكفاءة في الدين، قيل: إلا الفاطمية)، بصيغة التمريض: (قيل: إلا الفاطمية)، وإلا فالكفاءة في الدين يقول الله تعالى: ﴿ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم﴾(21)، وعلي بن أبي طالب زوج ابنته بعمر بن الخطاب. والنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- زوج ابنته بعثمان فلما توفيت زوجه الأخرى، فلما توفيت الثانية قال: «لو أن لنا غيرها لزوجناك ياعثمان».
فهذا ظلم للفاطميات، وهم يسمونها عندنا (شريفة)، لكن إذا جاءت الانتخابات خرجوا إليها وهم أول من سن هذه السنة السيئة(22).
فإذا أراد إخواننا أهل بيت النبوة أن نحبهم وأن نعظمهم فليسلكوا مسلك رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
تنبيه: قد يسأل سائل عن معنى كلمة ناصبي، فنقول: هو من نصب العداوة لآل بيت محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أو الحرب سواء بيده أم بلسانه، فهذا معنى الناصبي. والمحدثون وأهل السنة يعدون الناصبي مبتدعا، كما يعدون الشيعي مبتدعا.
تنبيه آخر: النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما، كائنا من كان»، وقد كان بويع لعلي بن أبي طالب، ثم خرج عليه من خرج رضوان الله عليهم أجمعين، ويقول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «أبشر عمار تقتلك الفئة الباغية».
فمعاوية وأصحابه يعتبرون بغاة لأنهم خرجوا على علي بن أبي طالب وهو أحق بالخلافة، لكن لا يخرجهم بغيهم عن الإسلام قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما﴾(23)، فسماهم مؤمنين. وقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار» فسماهم مسلمين.
ويقول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في الخوارج الذين يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، يقول في آخر الحديث: «تقتلهم أولى الطائفتين بالحق»، فقتلهم علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-.
فعلي بن أبي طالب هو المصيب في جميع حروبه، ورحم الله عمر بن عبدالعزيز وقد سئل عن هذه الفتن فقال: تلك فتنة طهر الله منها سيوفنا، فلا نقذر بها ألسنتنا. وهذه مجموعة أسئلة لها تعلق بالموضوع:
السؤال1: يقال: إن هذه الآية التي يقول الله تعالى فيها: ﴿إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون﴾(24)، نزلت في علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- فهل هذا صحيح؟
الجواب: ذكرت هذا في كتاب «الطليعة في الرد على غلاة الشيعة» وذكرته في «المصارعة» وأنه ليس بصحيح، فإنه من طريق محمد بن السائب الكلبي، وله طريق أخرى لا تثبت.
والآية بصيغة الجمع: ﴿إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون﴾(25)، أي خاضعون لله عز وجل، وليس كما جاء أن عليا تصدق بخاتم وهو راكع، فسبب نزول الآية في علي ابن أبي طالب لا يثبت.
السؤال2: ما صحة ما ينسب إلى النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أنه قال: «أنا مدينة العلم وعلي بابها»؟
الجواب: اختلف أهل العلم في هذا الحديث فمنهم من يصححه، ومن يحكم عليه بالحسن، ومنهم من يحكم عليه بالضعف، ومنهم من يحكم عليه بالوضع، والصحيح أنه موضوع، لأن علي بن أبي طالب روى أحاديث كما روى غيره، فأبوهريرة روى نحو خمسة آلاف حديث أو أكثر، وعلي بن أبي طالب روى نحو ستمائة حديث، فرواية أبي هريرة أكثر وإن كان علي بن أبي طالب أعلم من أبي هريرة، وأفقه من أبي هريرة. لكن الحديث في سنده أبوالصلت الهروي واسمه عبدالسلام بن صالح وقد سرقه منه جمع.
السؤال3: هل عائشة تعد من أهل بيت النبوة؟
الجواب: قد تكلمنا على هذا فيما سبق وهو أن نساء النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- داخلات، ومن أهل العلم من يقول: إن أهل بيت النبي هن أزواجه، وليس بصحيح، بل هن داخلات في أهل بيت النبوة.
السؤال4: ما هو يوم الغدير الذي يحتفل به الشيعة؟
الجواب: النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عند رجوعه من حجة الوداع جمع الناس بماء يدعى خما ثم قال: «وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور...».
وليس فيه أننا نحتفل بذلك اليوم، ولسنا ندري أي يوم هذا، فما ثبت في السنة أنه اليوم التاسع أو العاشر، ولكن المسألة مسألة فخر وكبرياء وإبراز عضلات.
السؤال5: هل يجوز أن نطلق على من يرجع نسبه إلى أهل البيت بأنهم سادة؟
الجواب: لا، هذا ليس بمشروع، وهذا لم يأت إلا في القرن السادس من بعض المتزلفين إلى أهل بيت النبوة ولم يثبت أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- خصهم. والسيد في اللغة من ساد قومه، وأما إذا كان ليس له من السيادة شيء فلا. وفي مكة ربما يطلقون عليه الشريف، وهذه تسميات ما أنزل الله بها من سلطان، والتابعون لم يقولوا عن سيدي علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، بل يقولون: عن علي بن أبي طالب عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
السؤال6: هل قولك إنه قد يكون عند الرجل شجاعة وفقه في الدين وليس مؤهلا للخلافة لأنه ربما لا يعرف في السياسة فهل يقتضي ذلك أن عليا -رضي الله عنه- لم تكن عنده سياسة؟
الجواب: عندنا أبوهريرة يحفظ خمسة ألف حديث وخالد بن الوليد لعله يحفظ قدر عشرة أحاديث، فخالد بن الوليد بطل المعارك وأبوهريرة بطل حديث رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:
وللحروب أقوام بها عرفوا وللدفاتر كتاب وحساب
وانظروا إلى أبي بكر فقد اجتمعت عليه الدنيا في زمن الردة وجعل الله له فرجا ومخرجا حتى قال له عمر: اجلس في المدينة. فقال أبوبكر: أتقول هذا ياعمر؟ والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لقاتلتهم.
والفتوحات في عصر عمر بن الخطاب لعلها لم تكن أكثر منها في العصر الإسلامي من أوله إلى آخره ثم أتى بعد ذلك عثمان وعلي ولكنهما شغلا بالحرب، فليس معنى هذا أن عليا لم تكن عنده سياسة، فأقصد من هذا أن العالم قد يكون عالما ولا يكون عنده سياسة، والنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: «الناس كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة». فلا تكاد تجد شخصا صالحا للإمامة وكريما شجاعا وعالما، فقد يكون فيه نقص من جانب أو من جوانب.
السؤال7: إذا شك شخص هل هو من أهل البيت أم لا؟ فماذا يفعل وهل تعلمون من وسيلة يتأكد بها الشخص ما إذا كان من أهل البيت أم لا؟
الجواب: الأحوط ألا يلحق نسبه بأهل البيت إلا إذا كان متأكدا والله المستعان.
السؤال8: ما معنى (المذهب الزيدي مبني على الهيام)؟
الجواب: الهيام معروف، فإذا كنت تبني بناء على هيام فإنه سيسقط، ومعنى هذا أن المذهب الزيدي ليس له كتب، «فالمجموع» الفقهي والحديثي من طريق عمرو بن خالد الواسطي يرويه عنه إبراهيم بن الزبرقان، فأما عمرو فكذاب وأما إبراهيم بن الزبرقان ففيه ضعف، يرويه عنه نصر بن مزاحم وقد قال الذهبي فيه: كان كذابا زائغا عن الحق.
فالكتاب لا يثبت، وهكذا كتاب «القراءات» من طريق أبي حيان التوحيدي علي بن محمد ويعتبر من زنادقة الإسلام، بل يقول ابن الجوزي: زنادقة الإسلام ثلاثة: أبوالعلاء المعري، والراوندي، وأبوحيان التوحيدي، قال: التوحيدي أضر الثلاثة لأنهما بينا، ومجمج.
فعلى هذا لا توجد كتب تثبت نسبتها إلى زيد بن علي -رضي الله عنه- و-رحمه الله-. ولست أدعوكم إلى الانتقال من المذهب الزيدي إلى المذهب الحنبلي أو المذهب الشافعي أو إلى المذهب الحنفي أو المذهب المالكي، بل ندعوكم من الانتقال من المذهب الزيدي والشيعي إلى سنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
السؤال9: هل من السنة أن نقول: علي كرم الله وجهه؟
الجواب: لم يثبت أن نخصص عليا بـ(كرم الله وجهه) أو (-عليه السلام-) لكن لا يصل إلى حد البدعة، أما (-عليه السلام-) فقد وجد في «البخاري» وفي «مسند أحمد» والأحسن أن يجرى علي -رضي الله عنه- كإخوانه من الصحابة وأن نقول: علي -رضي الله عنه-.
******
وهذه تكملة للموضوع وهو موضوع واسع الأطراف لا تفي به محاضرة ولا محاضرتان ولا ثلاث ولا أربع، ذلك أنه ليس مقتصرا على فضائل أهل بيت النبوة، بل فيه تعرض لمن بدل وغير منهم.
فقد جاء عن وكيع بن الجراح -رحمه الله- أنه قال: أهل السنة يكتبون ما لهم وما عليهم، وأهل البدعة لا يكتبون إلا ما لهم. فأهل السنة يلازمون العدالة قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ﴿ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا﴾(26)، وقال الله سبحانه وتعالى: ﴿وإذا قلتم فاعدلوا﴾(27)، وقال سبحانه وتعالى: ﴿إن الله يأمر بالعدل والإحسان﴾(28). وقال سبحانه وتعالى: ﴿ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى﴾(29).
وفي «الصحيحين» من حديث عبادة بن الصامت قال: بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- على السمع والطاعة، في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول بالحق أينما كنا، لا نخاف في الله لومة لائم. وفي «مسند أحمد» من حديث أبي ذر، أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أمره أن يقول الحق ولو كان مرا.
فأهل السنة في القديم والحديث يتحرون غاية التحري فلا يقدحون إلا فيمن يستحق القدح، ولا يعدلون إلا لمن يستحق التعديل، من أجل هذا أمنهم الناس واعتد الناس بأقوالهم، فمن جرحوه فهو المجروح، ومن عدلوه فهو المعدل، لأنهم ليس لهم أغراض، وبما أن الأمر كذلك فقد بقيت أحاديث نذكرها في فضائل أهل بيت النبوة منها:
ما روى مسلم في «صحيحه» عن علي -رضي الله عنه- أنه قال: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إلي أن لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق. ومعنى الحديث أنه لا يحب عليا لكونه ناصر الإسلام إلا مؤمن ولا يبغض عليا لكونه ناصر الإسلام إلا منافق. وقد جاء في فضائل الأنصار ذلك الحديث: «لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق».
وجاء في «صحيح البخاري» عن بريدة: قال بعث النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عليا إلى خالد ليقبض الخمس، وكنت أبغض عليا قال: فأخذ علي جارية من الخمس لنفسه فقال خالد بن الوليد: دونك قال: فلما قدمنا على النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- جعلت أحدثه بما كان، ثم قلت: إن عليا أخذ جارية من الخمس؟ قال: وكنت رجلا مكبابا(30) قال: فرفعت رأسي فإذا وجه رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قد تغير! فقال: «يا بريدة أتبغض عليا»؟ فقلت: نعم، قال: «لا تبغضه وإن كنت تحبه فازدد له حبا فإن له في الخمس أكثر من ذلك».
وورد في فضائل أحد الحسنين والحديث في «البخاري» أن كان النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يصلي فجاء وجلس على ظهر النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فأطال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- السجود، فسأله الصحابة بعد انتهاء الصلاة عن إطالته السجود فقال: «لكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله».
وورد في «صحيح البخاري» عن ابن عباس قال: كان النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يعوذ الحسن والحسين، ويقول: «إن أباكما كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق، أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة».
فهذه من الفضائل التي تدل على فضائل الحسنين -رضي الله عنهما-.
ومحبة أهل بيت النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- جعلت ستارا يتستر بها الرافضي، والرافضة أئمة شيعة اليمن يضللونهم، بل عدهم الإمام المهدي من الثنتين والسبعين فرقة الهالكة، فالرافضة لهم قرآن فيه زيادة على كتاب الله، ويعتبرون سبابين للصحابة.
أما أئمة شيعة اليمن الذين هم مقتدون بهم فمثل: الهادي، وأحمد بن سليمان، والمهدي، ويحيى بن حمزة. فأما الهادي فإنه رائي، يقدم الرأي على النص، فقد قرأت في بعض كتبه أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «ولا يبع حاضر لباد» فيقول الهادي: إذا جاءت امرأة فالأحسن أن تضع بضاعتها في دكان الحاضر، والحديث لا ندري أيصح أم لا يصح. اهـ كلامه. وهذا الحديث متفق عليه.
ويستدلون بأحاديث ضعيفة وموضوعة يصححون ما يشاءون ويضعفون الأحاديث التي في «الصحيحين» فقد زادوا في حديث: «ليست شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي»، فزادوا: «ليست» وهذا في بعض كتبهم الصغيرة التي هي على طريقة السؤال والجواب، قرأناه في (جامع الهادي) عند أن كنت أدرس عندهم.
ويعمدون إلى أحاديث متفق عليها ويقولون: لا يصح، إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير قال: كنا جلوسا عند النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إذ نظر إلى القمر ليلة البدر قال: «إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته».
فقال حابس في «شرح الثلاثين المسألة»: حديث لا يصح، جرير بن عبدالله كان يخون أمير المؤمنين. أقول: وحاشا جريرا من خيانة أمير المؤمنين، بل هو من محبي أمير المؤمنين في حياة علي وبعد وفاته. وقال أيضا: قيس بن أبي حازم ناصبي.
قلت: والحديث مروي عن أبي هريرة وأبي سعيد بل يمكن أنه جاء عن نحو ثلاثين صحابيا كما في «حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح» للحافظ ابن القيم -رحمه الله-. فهم يصححون الحديث إذا كان موافقا لأهوائهم ويضعفون الحديث إذا كان يخالف معتقدهم ولو كان في غاية من الصحة.
وشيعة اليمن الذين يسبون الصحابة يقتدون بزياد بن المنذر أبي الجارود، وهو كوفي وقد قيل إنه همداني، فلا يمنع أن يكون نزل إلى الكوفة، أو نزل أهله إلى الكوفة، فهو كذاب سباب شتام كما في ترجمته من «ميزان الاعتدال» وقد قال هذا الكلام يحيى بن حمزة في كتابه «الرسالة الوازعة للمعتدين في سب صحابه سيد المرسلين» قال: إن السبابة ليسوا مقتدين بأئمة اليمن ولكنهم مقتدون بزياد بن المنذر وبمن يماثله من الكوفيين.
فالتشيع جعل ستارا، فالمكارمة -الذين هم أكفر من اليهود والنصارى- يتسترون بالرفض، وهم يسكنون بنجران ومنهم أناس يسكنون بنقم بصنعاء، وفي حراز وعراس، ولا فرق بين المكرمي والشيوعي والملحد، ويسميهم البغدادي في «الفرق بين الفرق» -ونقل ذلك عن العلماء- بالدهرية.
ويقول شيخ الإسلام في النصيرية: إنهم يتسترون بالرفض وهم يبطنون الكفر المحض. وهم يتسترون بمحبة أهل البيت، وإذا سمعوا الرعد قالوا: سبحانك، هذا علي بن أبي طالب في السحاب. ويقولون بتناسخ الأرواح.
فهؤلاء يتسترون بمحبة أهل البيت:
سارت مشرقة وسرت مغربا شتان بين مشرق ومغرب
فشتان بين أهل بيت النبوة وبين أولئك الذين يتأكلون بالدين.
والخميني ومن على شاكلته وعبدة القبور، ورب العزة يقول في كتابه الكريم: ﴿ياأيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب﴾(31)، ويقول سبحانه وتعالى: ﴿والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير * إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير﴾(32).
وقد درست بصعدة قدر ثلاث سنوات فما وجدتهم إلا صما بكما عميا فهم لا يعقلون، يقولون: قد قال سيدي فلان، وقال القاسم وقال كذا وكذا، أما قول الله وقول رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فلا يوجد عندهم.
وبما أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: «كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار»، فنستطيع أن نقول: التشيع في النار، ولسنا نعني أفراد الشيعة، ونستطيع أن نقول: الرفض في النار، ولسنا نعني أفراد الرافضة، ونستطيع أن نقول: الباطنية في النار، فالذي يعرف الباطنية ويعتقد مذهبها ويعتنقه فالأفراد في النار، لأنهم يعتبرون كفارا.
والمبتدعة إن تكلم فيهم أهل السنة يبقون حيارى، فهم إن ردوا صاروا مدافعين عن فضائحهم وعلم الناس أن هذه الفضائح موجودة عندهم -حتى الحزبيون- وإن سكتوا علم الناس أنهم عاجزون مبطلون، فأنتم على خير ياأهل السنة، حتى ردودهم تعتبر نصرا ورفعة
فهرس الكتاب |
|
|